تكمن الديمقراطية الكاملة فى سيادة إرادة الشعب الحرة بدون أى نتيجة حتمية مسبقة. تحتكر عصبة الحكم المتضامنة وباستماتة الحكم فى مصر. هذا الاحتكار جرى ترسيخه تدريجيا منذ ما يقرب من ستين عاما. هناك عقد صارم غير معلن يحصن دائرة الحكم الضيقة فى مصر أمام دخول أى غريب، وبأى ثمن وأى مصرى من خارج هذه العصبة هو غريب مهما كانت كفاءته. هناك مسوغ واحد يسمح بدخول غريب إلى هذه الدائرة ألا وهو ولاء تلقائى لنظام الحكم مثبت على مر العمر منذ بدء حياته الوظيفية بل منذ سنوات الجامعة. كانت عضوية التنظيم الطليعى وملفاته هى الفيصل ثم تحول الإرث إلى جهاز مباحث أمن الدولة وملفاته. تستثنى هذه الملفات كل معارض، وكل صاحب شخصية حرة غير مضمونة فى مواقفها تجاه الهيبة المفترضة للنظام وتنزع للتصادم إذا تم التعدى على استقلالها.
على مر السنين حافظت العصبة المتضامنة على احتكارها للحكم فى ظل ديمقراطية صورية مكنتها من ذلك. كان السبب دوما وما زال وراء هذا الإصرار المستميت على احتكار الحكم هو حماية الصندوق الأسود. يمتلئ صندوق الحكم الأسود بما قد يذهل الشعب المصرى من أسرار تراكمت على مر السنين السابقة، وتستميت العصبة الحاكمة المتضامنة فى حجبها نهائيا. هذا هو السبب فى الحرص على الخط الأحمر الذى يحيط بعصبة الحكم المتضامنة، والذى لا يسمح أبدا باختراقه من قبل أى مصرى طبيعى لن يكون تصنيفه عندهم إلا كمغامر لا يؤتمن. فى زمن الحرية وسقوط حاجز الخوف أمام الشعب المصرى يتشكل أمام هذه العصبة مأزق صعب يهددها. تبين لهذه العصبة وجوب التضحية ببعض الرؤوس حفظا لنظام العصبة المتضامنة على احتكار الحكم. طارت السلطة من يد لتتلقفها يد أخرى داخل العصبة ذاتها. لا ننسى أن أول من خرجت بادرة عن ذلك على لسانه كان هو السيد عمر سليمان رئيس المخابرات العامة، وكان هو الذى أعلن البيان الذى احتوى على قرار غير دستورى بالمرة، وهو تكليف القوات المسلحة بتولى إدارة شؤون البلاد. لم يكن من الوارد لهذه السلطة الطائرة أن تتلقفها يد الثورة التى أخلت الميدان فى ظروف وبطريقة تجعل الذهن لا يستقر ثقة فى من كان وراء ذلك. لقد سقط رأس النظام وبقى النظام.
استماتت العصبة الحاكمة من أجل استمرار الفريق شفيق، وهو من العصبة، فى رئاسة الوزارة. عندما أسقط الميدان دكتور عصام شرف عضو الحزب الوطنى ولجنة سياسات جمال مبارك سابقا لم تكن هناك احتمالية إلا لاختيار شخصية تنتمى لهذه العصبة المتضامنة. لم يكن منتظرا إلا اختيار شخصية مثل الدكتور الجنزورى بالرغم من عمر يزيد على الخمسة وسبعين عاما لتحفظ هذه الشخصية الحصن من اختراق أى غريب. يحدث هذا النسق على مستوى رئاسة الوزارة فما بالنا برئاسة الجمهورية. أى استماتة متوقعة فى سبيل التحكم فى مسار الأمور نحو نهاية مقررة مسبقا لا تخرج عن اختيارات العصبة المتضامنة. أى ديمقراطية تكتمل فى ظل قيود خفية على حق كل مصرى فى الوصول للمنصب.
قامت الثورة لكسر احتكار الحكم من أجل ديمقراطية حقة وكاملة وليتوقف توجه خبيث دام عقودا من أجل غسل مستمر للعقول بوزارة إعلام وجيش من الإعلام الحكومى الموجه. لن يكتمل هدف الثورة الأول وهو الديمقراطية إلا بكسر احتكار الحكم فى مصر. اشتعلت الموجة الثانية من الثورة استشعارا من كل الثوار للتهديد الخطير لهذا الهدف. تنامى القلق ثم الغضب من شكوك جدية حول تسليم السلطة كاملة من يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة. يظل السؤال يدور فى صدور المصريين الواعين لخطر ضياع فرصة مصر فى ديمقراطية حقة وكاملة، هل حقا سنشهد تسليم سلطة بدون خطوط حمراء؟ هل ستتمكن الثورة المصرية من كسر احتكار الحكم فى مصر؟ الديمقراطية الكاملة هى الحل فلنصر عليها للنهاية من أجل نهضة مصر.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
dr tarek
مصر والطريق إلي الديموقراطية