كنت أتصور أن العودة إلى المستقبل مجرد عنوان فيلم من أفلام الخيال العلمى للمخرج اللامع روبرت زيمكس، لكن نتائج المرحلة الأولى لانتخابات مجلس الشعب أثبتت أنه واقع يحيط بنا، ورحلة نقوم بها، ومصير نختاره لنا، فالمستقبل دوما هو عالم نخططه ونحلم به ولم نعشه بعد ونعمل على تفسيره، والعودة هى «رجعة» إلى عالم عشناه وخبرناه ولنا فيه حكايات وذكريات.. فكيف يستقيم المستقبل مع العودة؟!
نتائج الانتخابات تشى بأننا مازلنا نعيش بعقلية الامتيازات، وأننا لم نسافر إلى المستقبل، وإنما عدنا إليه، أى أننا نصنع مستقبلنا بعقلية الماضى، وقوانينه ورؤاه، الفارق الوحيد بينهما هو التفاصيل، خلعنا ثيابنا القديمة وأشكالنا القديمة ولبسنا ثيابا جديدة وأشكالا جديدة، لكن يحكمنا نفس المنطق العام، فقط غادرتنا أغلبية الحزب الوطنى الكاسحة وحلت محلها أغلبية الحزب الدينى الكاسحة.. فإننا شعب لا يمارس التنوع والاختلاف والتوازن السياسى، وإنما يعشق الرأى الواحد والطريق الواحد والشمولية السياسية حتى دون تزوير فى صندوق الانتخابات!
وبالطبع لا أقصد أن أقلل من قيمة فوز الإسلاميين بالمرحلة الأولى من الانتخابات ولا أنتقص من قدرهم أو أعرض بهم وبسياساتهم ونحن لم نجربهم أغلبية فى البرلمان أو فى الحكومة حتى الآن، والفوز هو حقهم الذى لا غبار عليه، ومن يؤمن بالديمقراطية عليه أن يحترم رأى الناس وينصاع له، لكن ما أقصده هو أننا -كشعب- نعيد إنتاج نفس النظم الجديدة، فنحن ننتج برلمانا ذا اتجاه واحد، الحوار فيه محدود، والتصويت فيه سيكون بطريقة الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب السابق حين يقول: الموافق يرفع يده، ثم ينظر إلى القاعة مؤكدا: موافقة.
وبالطبع أى برلمان أغلبية الأعضاء فيه من تيار واحد.. كيف ستكون نتيجة التصويت فيه على أى قرار؟!..قطعا ستحسمه الأغلبية من أول جولة، ولا يتجاوز دور الأعضاء من التيارات السياسية الأخرى أو المستقلين «الديكور الديمقراطى» الذى كنا عليه فى عصر حسنى مبارك، فمهما قالوا ومهما فعلوا ومهما فكروا، المرجعية فى النهاية إلى التصويت، والتصويت سيكون نوعا من الاصطفاف خلف رأى الجماعة، أى بمعنى آخر على طريقة فتحى سرور هو: موافقون؟!.. إذن موافقة.
فهل هذا النوع من البرلمانات يمكن أن يبنى دولة عصرية ديمقراطية قائمة على التعدد فى الرؤى والأفكار، وكيف يحدث هذا التعدد مع وجود «أغلبية كاسحة» يمكنها أن تمضى بكل التشريعات والقوانين فى طريق واحد وتحكمها رؤية واحدة؟!
هنا لا نحاول أن نسبق الواقع أو نخيف الناس أو ندعو للتصويت ضد التيارات الدينية، وإنما هى محاولة تفكير بصوت عال، وقد تكون نوبة بكاء مكتوم على حلم لم يتحقق، وكم أتمنى أن أكون مخطئا أو متشائما أكثر من اللازم.
لكن المؤكد أن نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات هى جزء أصيل من طريق خاطئ اندفعنا فيه بعد نجاح الثورة وعزل مبارك عن السلطة، ولا يعرف أحد فى مصر كيف نعود إلى الصواب، ويبدو أن العودة إلى المستقبل أسهل كثيرا.
وأكثر ما أخشاه هو «الإحساس» بالقوة المفرطة الذى سيسيطر على مشاعر وعقول التيار المنتصر، وهذا بالتبعية سوف يتحول إلى سلوك وتصرفات عند تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، وعلى مواد الدستور ذاته، فهم يتحدثون دائما عن حق الأغلبية فى تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، حتى تكون لهم الغلبة فيها، ودائما هم يتحدثون عن المشاركة، بينما تصرفاتهم تنم عن «المغالبة»، والدستور فى كل بلاد الدنيا هو توافق مجتمعى وليس أغلبية وأقلية.
وقد لاح فى الأفق بعض من هذه القوة والمغالبة فى تصريحات الدكتور محمد مرسى رئيس حزب العدالة والحرية الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين بأن الأغلبية فى البرلمان هى التى ستشكل الحكومة القادمة، مع أنه يعرف تمام المعرفة أن الإعلان الدستورى الذى نعمل به وهو جزء من النظام القديم الحاكم، لا يسمح بهذا على الإطلاق.
إذن ماذا كان يقصد الدكتور محمد مرسى؟!
قطعا هو بالون اختبار، يرصد به ردود أفعال المجلس العسكرى والقوى السياسية الأخرى، كما أنه يمهد به لصراع سياسى على الحكومة بعد استكمال انتخاب البرلمان، وهو صراع مطلوب قبل تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور.. فالتفاوض على بنود كثيرة يسمح بقدر هائل من المناورة.
نعم.. هذا زمن العودة إلى المستقبل!
عدد الردود 0
بواسطة:
مسلم حر
ربنا يسترها عليكى يا مصر وشكرا للكاتب على مقالة
عدد الردود 0
بواسطة:
Mido2011
ثورة حتمبة
عدد الردود 0
بواسطة:
د.طاهر حامد
قل اصلاح...ولاتقل ثورة!
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد البنهاوى المحامى
ليتنا نتغير فعلا
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الصعيدي
و الشجرة الواحدة .