محمد الحفناوى يكتب: ماتت.. أم المصرى

إنها تلك السيدة التى كانت جارة لوالدة زوجتى والتى ربت زوجتى وكانت زوجتى تكن لها كل الحب وليست زوجتى فقط التى تكن لها الحب فقط وإنما كل شباب وبنات ورجال المنطقة يكنون لها الحب بلكنتها الصعيدية التى لم تتغير رغم أنها تعيش فى الإسكندرية منذ أكثر من 40سنة، وكانت تتميز بالطيبة وروح الدعابة مع جميع جيرانها.. إنها تلك السيدة القبطية التى عاشت وترعرعت وجاورت وصادقت كل جيرانها دون النظر إلى لون أو جنس أو ديانة... ويا لرمزية اسمها واسم ابنها المصرى فهو لا جورج ولا جرجس ولا محمد أو أحمد إنما المصرى وكأنها أرادت أن تترك درساً من خلفها وبرؤيتها الفطرية لكل المصريين وكل الوطنيين والشرفاء أنها مصرية ووالدة لمصريين لا يميزهم عرقا ولا دين.

فكم نتمنى أن يصبح الجميع مصريين فقط، كما كنا فى الزمن الجميل والذى كنا لا نعرف التمييز ونعيش كأسرة واحدة ونوع واحد من المواطنين مصريين فقط، فقد كنت من صغرى ألعب مع نافع ونبيل وناهد وكريستين فى شارع واحد نعيش الفرح والحزن والغضب والسرور ولم نكن نعير اختلاف دياناتنا أى اهتمام إنما كنا مصريين فقط، وعندما كنا فى العاشرة من عمرنا قامت حرب أكتوبر المجيدة فاختلطت دماء الشهداء المسلمين والمسيحيين دون تمييز وبعد انتهاء الحرب المجيدة اختلطت الدموع المصرية ببعضها مع الفرح فرحة النصر والحزن لفراق الشهداء ولكنه حزن بافتخار نفتخر بدحر العدو المحتل وعبورنا القناة واجتياحنا لخط بارليف فالوطنية لا تتجزأ ولا تقسم، فالمصريون هم المصريون على مر العصور.

بكت زوجتى أم المصرى واستأذنتنى فى المساء عندما أتاها الخبر لتذهب للوقوف مع أهل الفقيدة والشد من أذرهم والدموع فى عينيها فلم أمانع وفى الصباح المبكر ارتدت ثياب الحداد لتصاحب أهل الفقيدة إلى الكنيسة لإكمال مراسم الجنازة. لم أمانع بل واسيتها لشعورى بمدى حزنها على تلك السيدة الطيبة الحنون والتى نالت حب الجميع المسلم قبل المسيحى.

وهكذا الروح السائدة بيننا لن ينال منها عدو أو حاقد نحن مصريون فقط فالمتوفاة مصرية تماماً كاسمها وبالفعل اسمها أم المصرى فإن دل ذلك لا يدل الأعلى أننا فقط مصريون والحب يسود بيننا مهما حاول المندسين والأعداء افتعال الأزمات بيننا فنحن أولاد مصر فقط.