الثورة ليست غاية فى حد ذاتها. وهى وسيلة، أو هى سلم، تصعد عليه، وتعد درجاته، فتطفو، وتخرج من القاع إلى القمة، والذين يرونها غير ذلك، تظل رؤيتهم مصحوبة، بملاحظات وتداعيات، ومشتملات نحو طريق ليس ممهدا، مع أنهم يرونه خطا طويلا من "الأسفلت" الحريرى!
فى كتب السياسة، الثورة مرحلة، أو حدث عارض، تنتقل به دولة ما من نظام إلى نظام، ومن شكل إلى شكل.
وفى علوم السياسة أيضا، لا يدرس الطلبة شىء اسمه "نظام سياسى ثورى". فالأنظمة الحاكمة تنتقل من الحالة الثورية الطارئة إلى برلمانية أو جمهورية، أو ملكية دستورية، أو برلمانية رئاسية، ولا تستمر الحالة الثورية، مصاحبة لأى نظام من السابق.
صحيح أن الثورة هى الحدث الذى ينقل من نظام إلى نظام، أو هى الحصان الجامح، الذى تنتقل الشعوب على ظهره من وضع لآخر، وأن الثورات تنطلق وفق أسباب مختلفة، تزيد أو تقلل من درجة جموح الحصان، إلا أن الثورات رغم ذلك، تظل حالة، أو وسيلة إلى غاية، ليست هى نفسها غاية.
غريبة حالة الفرح بالثورة من بعض النخبة.
عيونهم تلمع حبا فى الثورة، وكثيرهم لا يكف عن التغزل فيها، ليس كرها فى حالات الفساد والظلم والخبائث، إنما إجلالا لفكرة الثورة نفسها، مشكلة، ومقتا، وفاحشة، وساء سبيلا.
لماذا هى مقتا وساء سبيلا؟ لأن الثورات تهدم ولا تبنى، فالثورات ليست نظاما، هى فقط تهدم النظام، لكنها لا تقيم النظام.
اللفظان نفسهما، متناقضان. "الثورة" فى اللغة ضد لفظ "النظام". والمعنى أن الثورة على نظام فاسد، لا بد أن تكون طريقا لنظام آخر، أو نظام مرة أخرى. لكن من ثورة إلى ثورة، ثم ثورة مستمرة.
ومن ثورة على نظام إلى "لا نظام"، فهى الكارثة.
الطريق إلى "لا نظام" هو الطريق إلى "ستين داهية". كثيرون لا يعرفون للآن، ما الميزة فى الوصول من الثورة على نظام فاسد، أصبح سابق، إلى السعى حثيثا فى الطريق إلى ستين داهية؟