قالت دورية «لندن ريفيو أوف بوكس» البريطانية إن الثورة المصرية التى اندلعت فى 25 يناير الماضى يبدو كأنها اتخذت منعطفاً مقلقاً ومناهضا لليبرالية»، مشيرة إلى أن القوة التى استفادت من الثورة هى جماعة الإخوان المسلمين، وأن الشباب الذين أطلقوا الثورة تم تطويقهم من قبل الجيش والسياسيين الإسلاميين، مضيفة أن المجلس العسكرى أعلن الحرب على التحرير، ووصف المحتجين المطالبين بالحكم المدنى بـ«أعداء الثورة التى يزعم على نحو خاطئ بأنه يجسدها».
وفى تحليل مطول للخبير البريطانى آدم شاتز، تحت عنوان «مصر لمن»، قالت الدورية التى تعد من أهم الإصدارات العالمية التى تنشر تحليلات ومقالات متخصصة فى عددها الأخير، إن انتصار الإسلاميين فى الانتخابات البرلمانية لم يكن انتصارا مخططا له، إنما جاء تعبيرا عن خيبة أمل من المجلس العسكرى، فالإخوان المسلمون هم «الشيطان الذى يعرفه الناس، وهم أكثر حذراً وأكثر واقعية من الأطفال المتواجدين فى التحرير»، وذلك بحسب وصف شاتز الذى يضيف: «كان شبح الإسلام الراديكالى هو البطاقة التى لعب بها حسنى مبارك خلال سنوات وجوده فى السلطة، وكان هو الحجة التى تذرّع بها النظام السابق لتقييد الحريات السياسية، ووجد المجلس العسكرى أن استخدامها سيكون مفيدا أيضا».
وتتابع الدورية البريطانية رصدها للمشهد فى مصر قائلة: «مع وجود حكومة عسكرية تتشبث بالسلطة بعناد، وعلى استعداد لاستخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين العزل، وتقوم بسجن المدونين بتهمة إهانة الجيش، ولا تختار امرأة واحدة فى اللجنة الدستورية، ومع حصول حزب الإخوان على ما يقرب من %40 من الأصوات فى الانتخابات، والسلفيين على ما يقرب من %30، فإن كل ذلك يجعل الثورة ضد الديكتاتورية تبدو كأنها اتخذت منعطفاً مقلقاً مناهضا لليبرالية»، مستطردة: «لا عجب إذن فى أن يزعم البعض بأن الثورة قد تم الاستيلاء علها من جانب العسكر والإسلاميين من قوى الثورة المضادة الذين يتحدد هدفهم فى منع وجود حكم مدنى حقيقى».
ويرى شاتز إن هناك مصر ليبرالية عاشت لفترة قصيرة بين الناس فى ميدان التحرير، والذين أرادوا أن يكونوا جزءا من العالم الحديث، مضيفا فى الوقت نفسه: «ما اكتشفه الثوار أنه بمجرد الإطاحة بمبارك وبدء مصر حياة سياسية حقيقية لأول مرة منذ استيلاء الضباط الأحرار على السلطة عام 1952، هو أنهم لا يحظون بدعم كبير من هؤلاء الذين عاشوا فى لحظة آنية مختلفة، فمصر من جانبها التقليدى الورع المحافظ لا تتعرف على نفسها فى الطبقة الوسطى الكبيرة، ولا فى نشطاء التحرير المستخدمين للإنترنت، حيث يرى أغلب المصريين أنه إذا كانت الليبرالية فى فعل مثل الذى أقدمت عليه علياء المهدى التى نشرت صورها عارية على الإنترنت احتجاجا على المحافظة والتعقيدات الجنسية، فإنهم لا يريدونها بأى شكل من الأشكال، وكأن الهدف من وراء الخروج مع الحشود فى التحرير هو مطاردة مبارك ونائبه عمر سليمان، والإطاحة بهما من منصبيهما، ولم يكن هناك سبب لدعمهما بعد أن حققت الثورة أهدافها كما يعتقدون، خاصة بعد أن أصبحت الحركات الموجودة فى التحرير بلا قيادة، وكان هذا درسا مريرا للثوار، ولم يتعافوا منه حتى الآن، ومثلما قال الناشط يوسف رخا «فإن مفارقة الثورة هو أن أعظم انتصار لها وأسوأ مآسيها هى أنها كانت بلا اتجاه سياسى».
وفى تحليله لمواقف جماعة الإخوان المسلمين قال شاتز إنه بفضل خبرتهم على مدى ثمانية عقود، وبسبب حرصهم الذى اعتادوا عليه،كان وصولهم إلى التحرير متأخرا، لكنهم عندما وصلوا ساهموا بشكل حاسم فى الإطاحة بمبارك، وعندما شكلوا حزب «الحرية والعدالة» بعد الثورة وضعوا آلية الانتخابات الحديثة تحت تصرفهم، و«على العكس من أحزاب المعارضة التقليدية كالوفد والتجمع، لم يكن الإخوان ملوثين بالتعاون مع النظام القديم»، وبحسب شاتز فإن الجولة الأولى من الانتخابات أكدت أن اللحظة الإسلامية وصلت إلى مصر، مثلما وصلت فى كل من تونس وليبيا والمغرب، وكان قمع مبارك هو ما أخرها.
إلا أن المحلل البريطانى يرصد اختلافات لدى الإسلام السياسى فى الوقت الراهن عن الإسلام السياسى فى زمن الثمانينيات والتسعينيات، عندما انتفض الجهاديون المتطرفون ضد الأنظمة القومية العلمانية فى سوريا والجزائر ومصر، وحولوا مدن حماة والجزائر والقاهرة إلى مناطق حرب، مؤكدا أن تفسير هؤلاء لحكم الأغلبية لم يكن يفسح مجالاً لحقوق الأقليات، غير أن الإسلاميين الآن بعيدون عن التطرف، ويهدفون إلى تحقيق أهدافهم من خلال السياسات الديمقراطية، وحتى السلفيون المتشددون الذين رفضوا لسنوات مبدأ الانتخابات على اعتبار أنها غير إسلامية تخطوا ذلك بشكل تدريجى.
وقال شاتز: «إن الإسلاميين تعلموا دروسا مهمة من تركيا وإندونيسيا، لكن هذا لا ينفى أن الإسلاميين اليوم بعيدون أيضا عن الليبرالية، غير أنهم يتفهمون أنهم سيحققون كثيرا من المكاسب بالعمل مع الليبراليين»، وبحسب وصف عالم الاجتماع آصف بيات، فإن التحالف الفضفاض بين الليبراليين والديمقراطيين الإسلاميين يمثل مرحلة «ما بعد الإسلاموية»، مشيرا إلى أن الإسلاميين يسعون فى ذلك إلى تأسيس مجتمع متدين داخل دولة ديمقراطية يكون الدين مصدر إلهامهم، لكنهم يؤكدون على الحقوق أكثر من الالتزامات، لافتا إلى أن هناك قلقا مفهوما بين الليبراليين واليساريين من التزام الإخوان بتقاسم السلطة، إلا أن نواياهم لم تختبر من قبل.
وتلفت الدورية البريطانية إلى أن إدارة الرئيس باراك أوباما تشعر، مثل أصدقائها فى تل أبيب، بالقلق من أن يلغى الإخوان المسلمون معاهدة كامب ديفيد إذا كان للإخوان اليد العليا، إلا أن الإخوان أدانوا الهجوم على السفارة الإسرائيلية بالقاهرة فى سبتمبر الماضى، وقالوا إنهم سيبقون على المعاهدة مع بعض التعديلات، لأنهم يعرفون أنه لا أحد فى مصر يشتهى الحرب مع إسرائيل، حتى لو كان الرأى العام ضد التطبيع، فالإخوان «إصلاحيون محافظون لكنهم ليسوا ثوريين، وربما يرفضون فكرة الدولة العلمانية، لكنهم يرفضون أيضا حكم رجال الدين، وفى سياستهم الاقتصادية من غير المرجح أن يقدموا أى شىء أكثر قوة من الليبرالية الجديدة الفاترة».
وإذا كان الأمر كذلك- تتابع المجلة- فمسموح لهم بالحكم، فالمجلس العسكرى مزح بفكرة استخدام الإخوان كواجهة بعد أن تولى الحكم بفترة قصيرة، لكنه أُجبر على إرجاء هذه الإستراتيجية لأن الإخوان أصبحوا أكثر قوة مما يتوقع أى أحد، ومنذ هذا الوقت، سعى المجلس العسكرى إلى إضعاف الإخوان، واستخدامهم لإفزاع هؤلاء فى مصر والغرب الذين يخشون من الثورة الإسلامية، وحقق المجلس بعض النجاح فى طرح نفسه كضامن لاستقرار مصر، تحديدا بين أتباع حزب الكنبة، أو الأغلبية الذين تابعوا الأحداث من منازلهم، وقد نجح الشعب فى التغلب على خوفه من مبارك وجهازه الأمنى خلال الثورة، لكن المصريين لم يتغلبوا بعد على خوفهم من غياب اليد القوية، وما سيترتب على ذلك من سقوط البلاد.
وتشير الدورية البريطانية إلى أن المجلس العسكرى لعب على هذا الوتر، وحذر مما أسماه مخططا لإضعاف الدولة المصرية، واتهم حركات المحتجين بخدمة أجندات أجنبية، حسبما قال أحد أعضائه، واعتبر شاتز أن هذا الأمر دليل على أن رؤية المجلس العسكرى لا تختلف عن رؤية مبارك، بل إنها أضعف منها، لافتا إلى أن الثورة ضد مبارك سلطت الضوء على صراع يتعلق بتحديد الطريقة التى ستدار بها الدولة، خاصة المتعلقة بتسوية الجيش لحساباته مع خصومه من داخل النظام القديم، ففى حكم مبارك، تمت تقوية دور المخابرات ووزارة الداخلية على حساب الجيش، وكان هناك أيضا أصدقاء جمال مبارك من رجال الأعمال الذين استفادوا من صلاتهم الوثيقة بنجل الرئيس السابق الذى كان يتعامل باعتباره وريثا للحكم، وكان الجيش لاعبا هامشيا فى عملية صنع القرار، ولم ينخرط فى أعمال القمع اليومية، وخلال الثورة لم يكن الجيش أبدا هدفا للغضب الشعبى، وفى ظل حياد الجيش، صب المصريون غضبهم على النظام ووزارة الداخلية والشرطة، وبعد الثورة اتخذ المجلس العسكرى إجراءات سريعة ضد حبيب العادلى، وزير الداخلية، وضد أحمد عز، ثم تحول الجيش ضد مبارك نفسه، ما منحه – العسكرى - شرعية معينة، ويرى شاتز أن الفتنة والحرب الطائفية والقمع هى القوى المقاومة للثورة، والتغيير الديمقراطى فى الشرق الأوسط تبين أنه عنيد، مشيرا إلى أن الدولة الوحيدة التى نجت من الاضطرابات هى تونس، وحالفها الحظ لأنها دولة صغيرة وهامشية، بينما مصر على النقيض تماما منها، دولة ظلالها طويلة للغاية، وتمتد خارج حدودها، ومصر دولة حقيقية لها تاريخ فرعونى تفخر به، ولديها ذكريات فى قيادة العالم العربى فى عهد جمال عبدالناصر، وبرغم هزيمة يونيو 1967، فإنها لم تتراجع أبدا عن فكرة القيادة من جديد، كما لو كانت العقود الأربعة الماضية مجرد انقطاع، مضيفا أن هناك أيضا مدينة القاهرة، وهى برغم ازدحامها وعدم نظافتها فإنها لا تزال بطموحاتها الجريحة وحجمها الكبير العاصمة الثقافية والسياسية للعالم العربى، وهو الوضع الذى كانت عليه لأول مرة منذ عقود فى ميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير، منتهيا إلى القول: «الآن فإن المخاطر فى مصر شديدة للغاية».
«لندن ريفيو أوف بوكس»: انتصار الإسلاميين تعبير عن خيبة أمل المصريين من العسكرى..و الدورية البريطانية: الشعب تغلب على خوفه من مبارك لكنه لا يزال يخشى غياب اليد القوية.. والجيش تعامل بنفس رؤية المخلوع
الأربعاء، 28 ديسمبر 2011 11:44 ص