طلب منى مذيع عزيز على تسجيل أحلى ذكرياتى وأمَرّهُا لعام 2011فى ثلاث دقائق.
فبرغم ما فى هذا الطلب من يسر ففيه أيضا قدر من العسر. فتواتر حلو الذكريات لا يحتاج إلى محرك لتدفقها؛ بينما نخبئ مُر الذكريات بين جنبات دهاليز الماضى المظلمة ويحتاج استخراجها إلى عملية وجدانية وعقلية وجرعة كبيرة من "البنج".
كانت افتتاحية العقد الثانى من الألفية الثانية غير دارجة ومعتادة فى كتب تاريخ الأمم. ولا فى السيمفونيات. تذكرنى سنة 2011 فى استهلالها بالأسلوب الموسيقى الجرىء للراحل بليغ حمدى فى استهلاله الدراماتيكى المرتفع فى أغنية "جبار". ولكن القياس مع الفارق؛ فلقد كان مبارك طاغية جبارا فاسدا؛ استباح لنفسه دماء وعرق المصرين الكادحين لعقود قاحلة تُسرق عوائد كدهم لتتعاظم بالمليارات حسابات المختلسين. واقعا مريرا لحكم الشخص وسيطرة القلة يستمد شرعية الديمقراطية بالتزوير وحبس المعارضين.
وزلزل الله عز وجل الأرض من تحت أقدامهم وانقلبوا على رؤوسهم وعلى رأسهم انقلب على رأسه رئيسهم. وكانت أحلى ذكريات حياتى كلها عندما أزاح الله الطاغية. فلم أكن أتصور أن يوما سوف يأتى ينتهى فيه هذا النظام؛ لم أكن أتخيل أننى كنت سوف أعيش لأرى مبارك وولديه وراء القضبان؛ ولكنه حدث وكان، ويجب أن يقتل من يطلب لهم الغفران. وسوف يردد التاريخ إلى الأبد أنه:-"كان يا مكان فى سالف العصر والأوان أنه حكم مصر طاغية اسمه مبارك لشعبه قاهر وسجان الله وفى يناير وقف فى وجهه بدون سلاح فئة من الشبان ليبدأ بعد ذلك عصر الحرية والأمان".
تلك أحلى ذكرياتى عن 2011 بل أحلاها لعمرى كله على الإطلاق. وستبقى أحلاها لعمر مصر التى تبدأ ربيعها رغم "الزعابيب" المعتادة لفصل الربيع ومن يريد أن يتأكد فعليه أن يتعلم الجغرافيا حتى يسهم ويشارك فى صناعة التاريخ.
وبقدر حلو هذه الذكريات، يسقى وجدانياتى كل يوم شربة مُر ٍ وعذاب؛ ودمعة تذرف على أرواح الشهداء؛ وسؤال يصرخ ويصرخ ويصرخ أين القتلة؟؟؟ لأكثر من 800 شهيد إبان الأحداث، وغيرهم من شهداء الكنائس، ومسيرة حقوق الأقباط أصحاب الحقوق فى دينهم والبلاد؛ ومازالت حلقات المسلسل مستمرة من شهداء موقعة شارع محمد محمود إلى مجلس الشعب والوزراء؟؟!! كل هذا الكم الهائل من الضحايا الأشراف مسجلة ضد مجهول.!!! لقد دافعوا عنا؛ ودفعوا بدمائهم وأرواحهم النصيب الأكبر فى هذا التحول التاريخى واستعادتنا إلى حريتنا. ولكن لاستكانتنا ووهننا وسذاجة عقولنا ستبقى كرامتنا منقوصة وسرطان الذل سيعود ليقضى علينا من جديد فهل يصدق فى هذا المناخ الثورى ألا نرى اسما واحدا فى تحقيق مستقل أو تقصى للحقائق لقتلة كل هؤلاء الشهداء إننا أغلبية فى حالة صدمة واندهاش.
لن تكون بعد الثورة مشكلة مصر فى ذاكرتها وذاكرة شعبها، وإن كانت شعوب العالم كلها تعانى من ضعف ذّاكرتها؟
أمر واحد أثبته 2011 أن غضب الشعب ذاكرته كذاكرة الفيل لا تنسى ولا تغفر وقوية وعنيفة فهى من سجيل.
وهناك لقطة بديعة احتوتها جدارية 2011 عليها ترى الشعب المصرى بجميع طوائفه فى طوابير الانتخابات، أغنياء ممن نسوا المشى من كثرة اعتياد ركوب السيارات. والفقراء الذين استهلكت نعول أحذيتهم غير الصحية من كثرة المشى والعناء من الوقوف فى طوابير الخبز وطوابير المدعم من الغذاء. فكما جمعنا ميدان التحرير ثورة وصلوات، مسلمين ومسيحيين أغنياء وفقراء. تجمعنا الآن لجان الانتخابات؛ والتى ستؤدى إلى مجلس تحصى فيه الأصوات. ولكن الصوت الأعلى سيكون للرئيس، والكلمة العليا ستكون للرئيس، ويعود حكم الرئيس، وتأليه الرئيس، حيث اعتدنا عبادة الرئيس. لقد جف ريقى وبحت أصوات أقلامى فى أن نظام الرئاسة البرلمانية ورمزية الرئيس هى لنا الأصح والأنسب. فلن يطغى فى هذا النظام الرئيس الشرفى وسيبقى رئيس الوزراء الحاكم الفعلى، ولكن دائما تحت عيون ومراقبة الشعب المانح الحقيقى لحق من يحكمه؛ ليحكمه. وذلك فى تصويت واحد لممثليه فى البرلمان. ويُسقط رئيس الوزارة الفاشلة من أقصر الطرق. هذا بدلا من انتخاب ممثلين للبرلمان وتصويت آخر لانتخاب رئيس للبلاد ولا نستطيع إسقاط رئيس البلاد المنتخب إذا انحرف. ولا حتى ممثلينا إذا جاء منهم الانحراف. ونبقى نندب أحزان سوء حظنا فى أننا وقعنا فى فخ من خدعنا وغشنا، حتى يأتى الفرج بانقضاء عدة البرلمان أو وفاة أو انقضاء عدة الرئيس. ولنا فى كافة الدول التى تنهج نهج الرئاسة البرلمانية العبرة الحسنة مثل بريطانيا والهند وغيرهما.
صلاح يحيى يكتب.. 2011 أحلى ذكرياتى وأمَرّهُا
الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011 12:19 م
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
رماح
سبحان اللة
سبحان المعز المزل يا اللة
عدد الردود 0
بواسطة:
رماح
سبحان اللة
سبحان المعز المزل يا اللة
عدد الردود 0
بواسطة:
اشرف
الله عليك
عدد الردود 0
بواسطة:
كمبو عثمان عبدالحفيظ
مبارك راح !!! وبعدها انتم كلكم مبارك
عدد الردود 0
بواسطة:
عبود محسن
قلت اللي ناس كتيرة عايزه تقولوه
قلت اللي ناس كتيرة عايزه تقولوه