لمصلحة من تخريب وحرق ونهب مؤسسات ووثائق؟، لمصلحة من استمرار اعتصام أمام مجلس الوزراء دون رد فعل المسئولين؟، لمصلحة من توزيع أكل مسموم على المعتصمين فى اليوم الأول من انتخابات المرحلة الثانية؟، لمصلحة من إحراق هيئة البحث العلمى ووثائق وكتب هامة؟، لمصلحة من إذا اندلعت النيران فى مجلس الشعب، وأصبح النواب القادمون دون برلمان يؤويهم؟، ولمصلحة من وقوع صدامات بين قوات الجيش ومدنيين فى ظل غياب الشرطة؟.
لا يوجد طرف واحد مسئول عما يحدث، فالجميع ساهم فى إشعال النيران وقتل الأبرياء، (المجلس العسكرى) أخطأ لأنه لم يستغل الفرصة لكسب تأييد المصريين، ونقض وعده بإجراء انتخابات خلال ستة أشهر، والأسوأ أن ترك الشك يسيطر على عقول الجميع: فلماذا لم يتم محاكمة الرئيس المخلوع وأبناءه ورموزه حتى الآن؟، ولماذا لم يتم القصاص من قتلة شهداء 25 يناير؟، ولماذا لم يتم القبض على المسئولين الهاربين؟، ولماذا تتكرر أحداث التحرير وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، والفاعل مجهول؟، فازداد غضب المصريين، وساعد على ذلك الانفلات الأمني، وتغيير 3 حكومات فى أقل من سنة، وفشلها جميعا فى تحقيق المطالب بسبب تقييد العسكرى لها.
الطرف الثانى (وزارة الداخلية)، اختفى رجال الشرطة من مشاهد يناير وماسبيرو ومجلس الوزراء، وتركوا فض الاعتصام لرجال الجيش الذين ليس لديهم خبرة فى فض الاعتصام، فإن حاولوا فضه بالقوة، يتم اتهامهم بقتل الأبرياء، وإن لم يتدخلوا يتحول الاعتصام إلى تخريب وحرق، وإذا لم تفيق وزارة الداخلية من غفلتها، وإذا بقيت أياديها مرتعشة بحجة تجنب صدامها مع المواطنين، فسوف تكون متهمة بالعبث بأمن البلاد.
الطرف الثالث (الأحزاب والقوى والحركات السياسية) بلا استثناء، لعبوا دور كبير فى زعزعة أمن البلد رغم ادعاء الشرف والوطنية والثورية نتيجة أطماعهم فى السلطة، فاتحدوا على التشكيك فى العسكرى لإسقاطه، ثم تفرقوا بين مدنيين وإسلاميين، يتخوف المدنيون من حصول الإسلاميين على أغلبية البرلمان القادم، وحولوا مليونية 18 نوفمبر إلى اعتصام مفتوح كحيلة لتأجيل الانتخابات، ثم قاموا بالتحريض على الإسلاميين فى كل وسائل الإعلام، مما زاد حالة الشحن التى أدت لصدامات مجلس الوزراء، لتأجيل المرحلة الثالثة من الانتخابات أو حرق مجلس الشعب قبل أن يدخله النواب الجدد، وفى نفس الوقت، إسقاط المجلس العسكرى وإجباره على تشكيل مجلس رئاسى مدنى لتحقيق مصالح قوى مدنية وشخصيات مسيحية مشهورة، نتيجة سمو الولاء التحتى (المصلحة الخاصة) على الولاء الأسمى (مصلحة الدولة المصرية وأمنها).
أما الطرف الرابع (فلول النظام السابق)، البعض يشعر بالملل من تكرار إلصاق التهم بفلول النظام المخلوع، لكن الحقيقة تتطلب عدم إغفال دورهم، لأنهم لم يستسلموا بسهولة منتظرين نظام جديد يعاقبهم على فسادهم؟، فيحاولوا إثبات فشل الثورة وتعطيل تشكيل البرلمان الجديد، أيضاً نتيجة سمو الولاء التحتى على الولاء الأسمى.
والطرف الخامس (من يتصورون أنفسهم قادة الرأى ومثقفين)، من كتاب ومثقفين وساسة وشخصيات عامة ورجال دين مسيحى ومسلم، الذين فشلوا فى التوقع بخطورة الأحداث، واكتفوا بالانتقاد المستمر للسلطة، وغفلوا عن توعية المواطنين بحقيقة اللعبة السياسية التى تلعبها القوى السياسية مع السلطة، وجاءت محاولة بعضهم لتهدئة الوضع متأخرة، واستمر البعض الآخر على رسم صورة البطولة وإصدار بيانات تُحمل المجلس العسكرى المسئولية، والحقيقة أنهم يتحملون المسئولية مثله تماما، والأفظع تحريض ضابط أمن الدولة السابق عمر عفيفى –من خارج مصر- على الصدام مع النظام، حيث تعقب تصريحاته وقوع كارثة، ودائما ما يقدم خطة علنية للمحتجين من أجل إسقاط وزارة الداخلية واحتلال ماسبيرو.
أما المتظاهرون (بسطاء وشباب)، ضحايا الفقر والجهل الذى ترسخ بداخلهم، وضحايا نظام سابق مستبد حرمهم من ثقافة الحرية والديمقراطية، فأصبحت ممارسة الحرية دون ثقافة تسبب الوقوع فى الخطأ والانسياق وراء دعوات أصحاب المصالح بحجة الدفاع عن حقوق البسطاء والشباب فى ظل عدم نجاح السلطة فى استيعابهم، فظهر الخلط بين المجلس العسكرى والجيش، وانتقاد المؤسسة العسكرية رغم الإشادة بها فى بداية الثورة، وظهرت الاعتصامات التى تنتهى دائما بأعمال عنف وتخريب، والخلط بين الثوار والبلطجية، والفئة الأخيرة يتم تحريضها لإسقاط الدولة بأكملها مقابل المال، وفضلت مصلحتها على مصلحة وأمن البلاد، وبالتالى سمو ولاءها التحتى على الولاء الأسمى.
ولمواجهة الكارثة، فلابد من: 1ـ أن تبرأ قوات الجيش نفسها من الدماء التى أُسيلت أمام مجلس الوزراء من خلال القبض على المجرمين الحقيقيين، 2ـ عودة الشرطة إلى تأمين الشوارع، والقبض على البلطجية فى كل مكان، 3ـ القبض على المتورطين فى حرق المجمع العلمى ومحاكمتهم، 4ـ إبعاد قوات الجيش عن فض الاعتصامات لأنه دور رجال الشرطة، 5ـ رجوع المتظاهرين إلى منازلهم فى هدنة حقيقية، 6ـ استكمال المرحلة الثالثة من الانتخابات، بمشاركة الناخبين، لتكوين البرلمان ليصبح ممثلاً عن الشعب، وتحديد موعد إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية، 7ـ إسراع محاكمات الرئيس المخلوع ورموز حكمه وقتلة شهداء يناير، 8ـ أن تفيق النخبة المثقفة من غفلتها وتقوم بدورها بحياديه لتوعية المواطنين بأعداء الثورة الحقيقيين، 9ـ على التليفزيون المصرى توعية المواطنين بمخاطر استمرار الإضرابات دون الدفاع عن السلطة أو التحريض على المتظاهرين.
قام الشعب المصرى بثورته ليبهر العالم، ولكن الخاسرين لم يتركوا الشعب وثورته، فدبروا المكائد، ثم وقع الشعب والنظام فى الفخ، وانقسم الشعب بين مؤيد ومعارض للعسكرى، وبين مسلمين وأقباط، وبين ليبراليين ويساريين وإسلاميين، وبين ثوار وبلطجية، وبين عملاء وشرفاء، فالجميع يتهم ويخون ويدعى لنفسه البطولة، والضحية هى (مصر)، فمن حق كل إنسان التعبير عن رأيه والمطالبة بحياة كريمة، ولكن فى نفس الوقت لا يمكن احترام حق يتم التعبير عنه بعنف وتخريب كيان الدولة ومؤسساتها وإهدار مواردها وحرق وثائقها، ولا يوجد قانون يعطى الحق فى تهديد أمن المجتمع بأكمله، مما يستوجب تدخل الجهات المعنية من جيش وشرطة لحماية كيان الدولة الأم.
حمى الله مصر عظيمة آمنة رغم أنف الجميع.
شهرت وهبة تكتب: سمو الولاءات التحتية على الولاء الأسمى
الإثنين، 26 ديسمبر 2011 09:45 م