يقول الساسة، إن الدول الكبرى ومن أجل بسط سيطرتها ونفوذها على الشعوب والبلاد، تلجأ إلى ما يسمى بخلق العدو وصناعته.. فعلت الولايات المتحدة ذلك حينما جعلت من الاتحاد السوفيتى عدوها الأول، وحينما قضت عليه، بحثت عن عدو جديد... لعبت إيران هذا الدور على مدار السنوات الأخيرة، ومعها وبجوارها كان الإرهاب يسير جنبًا إلى جنب بوصفه العدو الأكثر رعبًا فى نفوس الأمريكيين، العدو الذى اختبروه وعرفوا مدى قوته وتأثيره فى حياتهم.
وفكرة خلق العدو والصراع معه لها ما يبررها خاصة فى حالات الحروب، لأنه وبحسب أبجديات النظرية، يصبح الإنسان بدون احتمال الحرب والتضحيات التى تتطلبها، لين الهمة والعزيمة، ومستغرقًا فى ذاته.
شىء من هذا أراه مفسرًا لما يحدث فى مصر من أعمال عنف ومصادمات تكاد تتكرر شهريًا منذ قيام ثورة يناير وحتى الآن، بدءًا بأحداث ميدان العباسية، مرورًا بأحداث مسرح البالون، وماسبيرو، والسفارة الإسرائيلية ومديرية أمن الجيزة، والسفارة السعودية، وشارع محمد محمود، وليس انتهاءً بما يشهده حاليًا شارعا قصر العينى والشيخ ريحان.
حيث يبقى الفاعل فى جميع هذه الصدامات التى خلفت ورائها عشرات الشهداء، هو طرف ثالث ، ليس هو الثوار بالطبع، لأنهم هم الضحية دائمًا، ولا هم قوات الأمن الذين يسارعون بنفى هذه الاتهامات ويحملونها للطرف الثالث غير المعلوم فى جميع هذه الأحداث! ولأنه غير معلوم، فنحن دائمًا فى حاجة إلى من يحمينا منه، ويدافع عن حياتنا وأمننا ضد جبروته، بل ويسعى إلى مقاومته والقضاء عليه حتى يمكننا العيش فى سلام، ولكى نظل فى حاجة دائمة إلى هذه الحماية، فيجب أن يبقى هذا الطرف الثالث غير معلوم طول الوقت.
ليس هذا فقط، بل إن بقاءه مجهولا يعطى الطرف الذى يقوم بالحماية فرصة الضرب والسحل والقتل، وأخيرًا تعرية أجساد البنات، والحجة دائما موجودة .. الطرف الثالث.
السؤال الآن، هل شىء من هذا السيناريو يطبق الآن فى مصر؟ هل تبقى أجهزة الأمن على فرضية بقاء الطرف الثالث غير معلوم، حتى نظل فى حاجة إليها، وحتى يمكنها توجيه عصاها الغليظة، ورصاصاتها إلى صدورنا فتقتل وتصيب وتجرح العشرات والمئات، ثم تخرج علينا لتؤكد أن جنودها لم يكن يحملون السلاح، ولم ولن يوجهوا سلاحًا إلى الشعب المصرى، وأن الطرف الثالث هو من يحمل السلاح، ويطلق الرصاص على الطرفين معًا، الأمن والشعب.
تسريبات التحقيقات فى العديد من الحوادث السابقة كانت تشير إلى أن هناك أطرافًا ممولة لعناصر إجرامية تقوم بالتخريب والضرب والقتل، مرة تكون هذه الأطراف داخلية لرجال أعمال ينتمون للحزب الوطنى المنحل، أو شخصيات تابعة للنظام السابق وتدين له بالولاء، ومرة أخرى لجهات خارجية، وخليجية تحديدًا تدفع الأموال وتجمع الشباب العاطل إلى الوقوف فى وجه قوات الأمن المدنية والعسكرية .. غير أن جميع هذه التسريبات لم تخرج إلى النور حتى الآن برغم مرور شهور على بعض هذه الأحداث، وهو ما يحيلنا من جديد إلى صناعة العدو الوهمى، وتضخيم إمكاناته كى يظل وجوده غير المعلن مبررًا للضرب والسحل.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د. عصام عبد الشافي
وحدة السياسات وتعدد الوجوه
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الله الفقى
الطرف الثالث معلوم
عدد الردود 0
بواسطة:
scream
عهد مبارك بلا مبارك
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد السباعى المحامى
انتظر طلوع الفجر
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر يسري
فعلا دا الواقع
بالتوفيق يادكتور