إرضاء الناس غاية لا تدرك، توقيع أستمسك به بعد آخر كان يقول ( للصمت أحياناً ضجيج يطحن عظام الصمت).
اخترت هذين التوقيعين لأزيل بهما جميع صفحاتى وكتاباتى فى كل الأماكن التى أعمد إلى الدخول فيها أو الكتابة على صفحاتها، وذلك لاقتناعى التام بكل حرف فى الكلمات ،،،،
ففى تصورى لا يمكن أبداً وبأى حال من الأحوال أن يستطيع صاحب رأى وفكر إرضاء الناس جميعاً على طول الخط، وإلا خالف منهج العلم فى ثقافة الاختلاف.
فمن لا يخالفه أحد قط هو واحد من ثلاثة
الأول: متلون يحاول إرضاء الكل حتى لو خالف بذلك قناعاته، واعتقاداته أو حتى سواكن ضميره لكنه يُساير الأحداث وفق هوى من أمامه ،،،
الثانى :خائف أن يجهر برأيه مهزوم نفسياً أمام مخالفه يعمل ألف حساب للعقبات والمستقبل وهو فى النهاية يسعى نحو الجبن والخوف.
الثالث: لا رأى له من الأساس وسيظل هكذا طيلة حياته، لا هو أبيض ولا هو أسود، وإنما رمادي اللون؛ ليتماشى مع من يريد أى ممسوخ الهوية، ولكن صاحب الرأى والفكر القارئ والمُطلع يثق فى الحكمة والحكماء، ويعى تماماً بأن إرضاء الناس غاية لا تدرك، ويذكر دائماً أن رأيه وإن بذل وسعه ليصل إليه وإن كان يدين لله أنه الحق فهو يرضى الله به وليس الناس والحمد لله أن إرضاء الله غاية وتدرك ،،،
وفى النهاية الأهم هو إرضاء رب الناس ولذا قالوا (اثبت على الحق ولو كنت وحدك) لكن أى حق تثبت عليه، المؤكد والثابت أنه الحق المُستنبط من الكتاب والسنة، فتاريخ الإنسان وذكرياته تمتلئ برضا البعض فى أحيان، مما يجعلهم يبتسمون ويسعدون برؤياك ويُجالسونك ويستمعون إليك، وما تلبث الأيام أن تمر فتختلف معهم فى الرأى أو فى الفكر فتجدهم يسخطون عليك، بل وربما يكيلون لك الاتهامات ويسوقون إليك التشويهات، وينادون باغتيال شخصيتك وزلزلة كيانك أو بنيانك المعنوى فى كل المحافل، وعلى مسمع ومرأى من الناس.
وهاهنا يقف الإسلام الوسطى موقف المطمئن لقلب المرضى عنه وهو هو نفسه المسخوط عليه ليجعله يدين بالولاء لله ورسوله قال تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [المائدة :55] لذا أُمرنا إذا سكلنا طرق الخير ألا نلتفت، ومن المعلوم يقيناً أن الملتفت لا يصل، والذكى هو الذى يتوافق مع الحال ويسير على أساس ومنهج.
فلا يكترث بالناس إذا انتقدوه ولا يسعد بهم إذا وافقوه وفهموه ففى النهاية جميعهم بشر، كما يجب أن يكون صاحب رأى وأفق واسع وبصيرة ناقدة ونافذة، ولا يكن إمعه قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – [ لا يكن أحدكم إمعه يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم] فإساءة الناس إليك لا تلغى أبداً أن تُحسن معاملتهم، وتبش فى وجوههم وتجاملهم وتتعامل مع إساءتهم بحكمة ولين دون أن يؤثر ذلك على ما أنت فيه من عمل...
يقول أحد الفلاسفة مبيناً أهمية العقل للإنسان "الإنسان هو ما يفكر"، فلا قيمة للإنسان بدون تفكير والقوة دائماً هى قوة العقل لا قوة البدن ولا قوة الكثرة، ولله در القائل:
ضَحِكْتُ فقالوا ألا تحتشم****بَكَيْتُ فقالوا ألا تبتسم!!
بسمتُ فقالوا يُرائى بها **** عبستُ فقالوا بدا ما كتم!!
صمتُّ فقالوا كليل اللسان****نطقتُ فقالوا كثير الكَلِم!!
حَلِمتُ فقالوا صنيع الجبان **** ولو كان مقتدراً لانتقم!!
يقولون شذ إذا قلتُ لا **** وإمَّعةً حين وافقتهم!!
فأيقنت أني مهما أردت **** رضا الناس لابد من أن أُذم!!
فعلى العاقل دائماً أن يتبع حبيبه وقدوته - صلى الله عليه و سلم - القائل "من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ومن أرضى الله بسخط الناس رضى الله عليه وأرضى عليه الناس" رواه الترمذى
والله من وراء قصد
وهو الهادى إلى سواء السبيل
