اعترف أن اهتماماتى الأولى تأتى فى سياق الفن والإبداع، لكن ما يحدث فى مصر من تحديات وقدرة إبداعية على تخطى أزمتها جعلنى ولأول مرة أتحدث فى السياسة، إيمانًا منى أن الفن والإبداع والسياسة حلقات واحدة فى نسيج الأمة العربية لا يمكن فصل إحداها عن الأخرى.
فهذا الحراك الشعبى الراهن فى مصر، من إجراء الانتخابات البرلمانية والمشهد الرائع أمام اللجان وتلك الوشوش التى اعتلتها حالة الرضا والقبول هى المبدع الحقيقى مهما كانت نتائج هذه الانتخابات، فكان المشهد لى بمثابة عرس للديمقراطية العربية، الكل يشارك فيه من الصغير والشاب والمرأة والمسن والمسلم والمسيحى، الكل يدرك أن له دوراً فى هذا العرس وهذا السبب الأول لاجتياز مصر لأى أزمة.
واحب أن أوكد أن مصر دائمًا هى البوابة الأولى لكل مجريات الأحداث فى الوطن العربى، فهذه الحالة الثورية وتصور المواطن البسيط أنه بالإمكان تحقيق كل شىء عبر النزول إلى الشارع، هذا بالطبع بجانب إشكالية الهُوية والمرجعية العليا للنظام السياسى، وأوجه الفساد والإفساد، وضعف النخب السياسية، ودور المؤسسة العسكرية، وعدم ثقة الناس فى السياسة والسياسيين كل هذا إرث تحمله مصر والوطن العربى على أكتافهما ويحتاج إلى معالجة سياسية وتشريعية كانت الانتخابات البرلمانية البداية الأولى فيها.
وإن كان هذا الحراك الشعبى المصرى قد رسم الصورة بكل رتوشها وتفاصيلها، وحدد ملامح الهوية العربية وقدرتها على الصمود والتحدى، فإن من حقهم علينا نحن الشعوب العربية أن نحيهم وننحنى لهم تقديرًا وإعزازًا ونعلن مشاركتنا لهم الفرح والهم فى آن واحد، نعم نحن مهمومون بضرورة أن تكملوا ما بدأتهم يوم 25 يناير تلك الثورة التى ولدت من رحم الشارع المصرى، وحملت نبضة وأناته بدأت الدخول فى مرحلة ما بعد الثورات التى لا بد أن تركز على بناء نظم سياسية وطنية تعالج كافة التحديات والأولويات التى أفرزها هذا الحراك الشعبى الراهن .
فكم أعطى المصريون دورسًا للجميع فى عمليات بناء النظام السياسى التى تبدأ من واقع المجتمع ذاته وأوليات المرحلة التاريخية الراهنة، وبتجارب الدول الأخرى للاستفادة وأخذ الدروس والعبر وهذه ليست مجرد عملية نقل من الآخرين أو اختيار نظام من بين أنظمة الحكم المعروفة (الرئاسية، والبرلمانية، وشبه الرئاسية، والتوافقية) لكنها لا بد أن تبدأ هذه العملية من واقع المجتمع ذاته ولا بد أن تمر بتجارب الدول الأخرى، وتنتهى بترجمة أهداف التحركات الشعبية ومطالب الشعب إلى ترتيبات مؤسسية وأطر قانونية ودستورية وسياسية تشكل مجتمعة ملامح النظام السياسى الديمقراطى.
حرك مشهد الانتخابات فى الشارع المصرى، وإصرار أبنائه فى الخارج على المشاركة فيها، هذا الركود المتراكم منذ سنين ونغط فيه فى نوم عميق، ولعل دائما الحجارة التى تحرك الماء الراكد تكون بمثابة بركان يفجر طاقات الشعوب العربية ويهمس فى آذن الجميع بضرورة التروى وإعادة الحسابات مرة أخرى، ليكون الدرس المصرى مقررًا على البلدان العربية لأخذ العبرة منه ووضعه نصب الأعين. فهنيئا لمصر بعرسها الديمقراطى وهنيئًا لنا بها قبلة عربية.
محمد عايض القحطانى يكتب: عرس الديمقراطية العربية فى مصر
الأربعاء، 21 ديسمبر 2011 12:10 ص