سمعت إعلاميا بارزا يقول فى تقديم إحدى حلقات برنامجه التليفزيونى، إنه ليس - والعياذ بالله محايدا، لأنه - والحمد لله - صاحب موقف، ويؤكد أن الإعلام لا يعرف شيئا اسمه الحياد، وهو اتجاه يأخذ به معظم مقدمى البرامج الحوارية فى التليفزيونات العربية، وسواء قالوا ذلك صراحة، أو طبقوه دون إعلان، فهم ليسوا - والعياذ بالله - محايدين لأنهم - والحمد لله - أصحاب مواقف.
وصحيح أنه لا يوجد إعلام محايد %100، فهناك شبكة من المصالح، والضغوط تحيط بكل وسيلة إعلامية، من بينها المصالح المالية، والعلاقات السياسية والشخصية لملاكها، أو المسؤولين عن تحريرها التى قد تدفعها للتخلى عن جانب من حيادها، فتصمت حين ينبغى لها أن تتكلم، أو تتكلم لتكذب، أو لتخفى النصف الآخر من الحقيقة، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ضغوط البنوك التى أجبرت أصحاب قنوات فضائية على الكف عن استضافة شخصيات بعينها، أو بث برامج يقدمها إعلاميون بذواتهم، وإلا طالبتهم بسداد ما اقترضوه منها فى توقيت قاتل بالنسبة لهم، ومنها الشركات التى تستخدم «ذهب المعز» الذى هو سيل الإعلانات، وسيفه الذى هو قطعها، لتفرض على الإعلام، أن يُعلم الناس بما يفيد سيدنا المعلن، وأن يمتنع عن إعلامهم بما يشقيه أو يضره، ومنها أن تكون الصحيفة أو القناة لسان حال أحزاب سياسية أو سلطة حاكمة، لا تستطيع أن تكون والعياذ بالله محايدة تجاهها، إذ هى مضطرة والحمد لله، لأن تكون صاحبة موقف مساند لها، تطبيقا للحكمة الشعبية التى تقول: اللى ياكل عيش السلطان يضرب بسيفه.
على أن ذلك لا ينفى أن على الإعلاميين أن يتمسكوا بحيادهم واستقلالهم، وأن يقاوموا كل الضغوط التى تدفعهم للانحياز لغير الحقيقة، ومنها الضغوط التى قد تتولد من داخلهم، ونتيجة لانحيازهم هم أنفسهم، سواء كان هذا الانحياز بسبب قناعة أيديولوجية أو سياسية، أو بسبب السعى إلى.. أو حماية مصالح شخصية، بما فى ذلك تحقيق درجة من الشهرة المهنية، بالحرص على تحقيق شعبوية تترجم إلى ارتفاع فاحش فى أجورهم، بسبب تنافس الشركات التجارية على بث إعلاناتها فى ثنايا برامجهم.
ومعنى الكلام أن التسليم بأنه لا يوجد إعلام محايد %100، ليس مبررا لأن يكون الإعلامى منحازا %100، بدعوى أنه صاحب «مواقف»، ولا يعفيه من النضال لكى يحافظ على أكبر درجة ممكنة من الحياد، لأن الإعلام المحايد ليس رجسا من عمل الشيطان، إذ هو نفسه «الإعلام المستقل»، الذى دونه لا يكون الإعلام إعلاما.
وحياد الإعلام هو أساس استقلاله، وأدواته معروفة وذائعة فى كل مدونات السلوك المهنى، التى يحفظها الصحفيون، لكن كثيرين منهم لا يطبقونها، ومن بينها الفصل بين الخبر والرأى، وبين المعلومة والشائعة، وبين الإعلام والإعلان، واستهداف المصالح العامة فى اختيار ما ينشر من أخبار، وانطباق العنوان عن المتن، والبعد عن الإثارة... إلخ.
ومشكلة الإعلام العربى تكمن فى أن الحكومات العربية هى التى أسسته، ونقلته عن الغرب، لمجرد التظاهر بأنها دول عصرية، تصدر فيها «جرانيل»، و«جازيتات»، وحديثا «ساتالايتات» كالتى تصدر فى البلاد الأوروباوية الديمقراطية، ولأنها ليست أوروباوية أو ديمقراطية، فقد اتخذت من هذا الإعلام أداة لتأكيد استبدادها، وحولته من إعلام حرّ كما هو فى بلاد الفرنجة إلى «إعلام تعبئة»، مهمته غسل مخ شعوبها، وحشدها لتأييد السياسات التى تطبقها، وحين أتيح لهذا الإعلام أن يستقل عن الحكومات العربية، وأن يتحرر من قبضتها، انتقل من التعبئة معها إلى التعبئة ضدها، فبدا وكأنه ضد الحكومة، لمجرد أنها حكومة وليس ضد الحكومة المستبدة، ومع الحكومة التى تحوز حق الشعب.. ليتحول مع الزمن من إعلام تعبئة حكومية إلى إعلام تعبئة معارضة، ثم إلى إعلام أقرب للفوضوى منه إلى المحايد - والعياذ بالله - أو صاحب الموقف.. والحمد لله!
وربما لهذا السبب، لم يعد الإعلام يرضى أحدا، فبعض المواطنين يتهمونه بأنه يسعى للتحريض على العنف، وإشاعة الفوضى، بالانحياز بالحق أو بالباطل إلى المعتصمين والمتظاهرين، حتى لو وصل الأمر إلى حد تبرير عمليات التخريب والتدمير التى تطول الممتلكات العامة والخاصة، وتعطل مصالح الناس، وبعض الثوار يتهمون قنوات بعينها بأنها تتعمد ذلك، لأن أصحابها من فلول النظام الذى سقط، بهدف إفشال الثورة، وفض الجماهير عنها، والسلطة القائمة على مرحلة الانتقال تتهمه بأنه يسعى للإثارة، لمجرد الحصول على شعبوية تدر على خزائنه ومذيعيه ملايين من دولارات الإعلانات، وأطراف أخرى تتهمه بأنه ينفذ أجندات أجنبية، ويتقاضى ثمن تنفيذ مخطط، يهدف لتفكيك الدولة المصرية.. وعموم المواطنين يتهمونه بأنه يشوش على فهمهم للأمور، ويحول دماغهم إلى حلّة ملوخية بدون تقلية.. وبذلك تساوى الإعلام المحايد والعياذ بالله، بإعلام المواقف والحمد لله فى الوقوف فى قفص اتهام واحد والشكر لله!
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد حجاز
أيوا كدا
عدد الردود 0
بواسطة:
kings maker
إحراق مصر بكاملها يوم 25 يناير القادم .. وبداية الحرب الاهلية في الذكرى الاولى للثورة
عدد الردود 0
بواسطة:
د ممد
محايد و الحمد لله
عدد الردود 0
بواسطة:
زلمن شازار
قبل كم يوم اقترح الفقيه صلاح تصنيف البشر في اصوات الانتخابات وفق تعليم كل فرد
عدد الردود 0
بواسطة:
mona
عبد الرحمن يوسف
عبد الرحمن يوسف هو من قال هذا الكلام