رأى عدد من المثقفين أن حالة الخوف التى عمت الشعب المصرى بعد ظهور مؤشرات المرحلة الأولى من الانتخابات وسيطرة التيارات الإسلامية على معظم الدوائر، هى حالة مبالغ فيها، لأن مهما كانت قوتها فإنها لن تستطيع أن تفرض رأيها أو تحتكر السلطة لنفسها، وإذا كانت هذه التيارات لديها بعض اتجاهاتها وآرائها فى الثقافة المصرية فلا يمكن فرضها على الشعب المصرى، لأن الثقافة المصرية راسخة لا تتغير بتغير القيادات، بينما رأى البعض أن هذه المخاوف فى محلها والشعب المصرى لديه حالة من التخوف الحذر، لأن الأحزاب الإسلامية فى مصر تتصف لم تحدد موقفها من كثير من القضايا الشائكة، خاصة المتعلقة بالثقافات المختلفة المتعرضة مع اتجاهاتهم.
الناقد الدكتور عبد المنعم تليمة قال، إن حالة من المبالغة الشديدة الآن من الحكم الإسلامى، لأنه من الطبيعى أن تكون الجولة الأولى من الديمقراطية متخبطة وغير متزنة، مؤكدا أن البرلمان القادم والمجالس المحلية والنقابات لن تدوم طويلا وستكون مؤقتة، ومهما كانت قوتها لن تتمكن من احتكار السلطة أو الانفراد بالحكم وإصدار القرارات أو إحداث تحولات جذرية فى فكر وثقافة الشعب المصرى.
واعتبر تليمة أن حالة التخوف هذه استهانة بالشعب المصرى، معتبرا أن الشعب الذى استطاع أن يهزم يصنع ثورة مجيدة سليمة أبهرت العالم لا يمكن لأى تيار أو فصيل أن يصادر على آرائه ويغير ثقافته.
بينما اعتبر الكاتب حلمى النمنم، رئيس مجلس إدارة دار الهلال، أن كل المخاوف الشعب المصرى تجاه الحكم الإسلامى هى حقيقية، لأن الإخوان والأحزاب السلفية لديهم الكثير من علامات فى أسلوب تعاملهم مع كثير من القضايا الشائكة، خاصة المتعلقة بالثقافة وحرية الرأى والإبداع، فعندما يدعو بعض الشيوخ المتشددين على الليبراليين والعلمانيين فى المنابر، كذلك رفض بعضهم للفنون فمن الممكن طرح تساؤل حول موقفهم من دار الأوبرا المصرية وبعض الفنون والرياضيات التى قد تخالف اتجاهاتهم.
وأوضح النمنم أن فوز الإسلاميين فى تونس والمغرب شكل أغلبية ولكن ليس اكتساح، مما سمح بالتعددية ووجود آراء مختلفة، ولكن فى مصر من خلال النتائج الحالية فلا يوجد تعددية، كذلك كانت تصريحات الغنوشى والأحزاب الإسلامية فى تونس تشجع على احترام الرأى الآخر وتسمح بالتعددية، وهذا ما لم يظهره الإخوان المسلمون والأحزاب السلفية فى مصر.
بينما قال الكاتب سعيد الكفراوى إنه بالرغم من القلق والإحساس بأن النتائج جاءت عكس رغبات البعض إلا أنه فى النهاية هذه هى نتيجة الديمقراطية التى طالبنا وقمنا بثورة من أجلها، وهى أن نقبل النتيجة التى تفرزها الصناديق، مشيرا إلى أنه يميل إلى التيار الإسلامى لعل اختياره يكون سببا لنهاية سيطرته، فعندما يوجه المشاكل فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية ويتعامل معها ستتضح اتجاهاته، خاصة أن الشعب المصرى لن يقبل بأى احتكار للسلطة من جديد.
وأوضح الكفراوى أننا لا يجب الخوف على الثقافة المصرية لأنها ثقافة عريقة تأسست على الثوابت بالإيمان بالديمقراطية والمجتمع المدنى والتعدد وحرية التعبير والرأى، والمصريين ضحوا بأرواحهم فى سبيل تحقيق هذه القيم، وفى ظل دولة المدنية أو دينية ستظل الثقافة المصرية التى دافع عنها طه حسين والعقاد وكل المفكرين الليبراليين منذ أوائل القرن العشرين وحتى الآن لأنه أصبحت ثوابت فى وجدان الشعب المصرى تزداد رسوخا مع مرور الوقت.
وأوضح الكفراوى أنه مهما كان اختيار الإسلام السياسى لثقافته فالثقافة السائدة فى المجتمع هى ثقافة اسلامية موجودة فى الجامعات والشارع والمعاهد، فإذا كان جزء من التيارات الإسلامية تستدعى ثقافة الأفكار الثيوقراطية فى الإسلام، فسيواجههم الحركات السياسية والليبرالية والمثقفين التنويريين وشباب التحرير الذى نذر حياته لبناء دولة ديمقراطية حقيقية.
بينما قال الناقد شريف الجيار إن الثقافة المصرية لا تخضع للأهواء أو القيادات مهما كانت تياراتها، موضحا أن ما يحدث الآن هو حالة من التخوف الحذر من صعود التيارات الإسلامية المصرية إلى الحكم، لأنه لم يتضح بعد أسلوب تعامل هذه التيارات مع الحكم، حيث إننا يجب التفرقة بين التيار الإسلامى المعتدل المرن مثل التيارات الإسلامية فى تونس، والتيارات المتشددة التى تقبل بأى حلول أو آراء تختلف مع اتجاهها وقناعتها، موضحا أن مصر تحتاج الى سلطة مدنية تستطيع أن تستوعب المجتمع المصرى وتحصل إلى أكبر تأييد من الشارع المصرى لذلك يجب أن تتمتع بالمرونة الكافية للنقاش وتقبل اختلاف الرأى مع التيارات الأخرى والطوائف المختلفة فى المجتمع.
وأشار الجيار إلى أنه لا يجب التعجل فى الحكم والانتظار حتى نهاية الجولات لنعرف النتيجة النهائية للانتخابات، وأى التيارات ستصل إلى الحكم، خاصة أن الشعب المصرى لم يعد يعرف الخوف أو الاستكانة ولن يقبل بأى تيار متشدد يستأثر بالحكم من جديد.