حتى أغلقت اللجان الانتخابية أبوابها، كان قطاع عريض من الشعب يتابع فعاليات المهرجان الديمقراطى أمام شاشات الفضائيات المختلفة بعد أن أدى واجبه، متمنيًا أن يتم اليوم الأول بنجاح وسلام. ومرة أخرى خابت آراء المتوقعين الذين نشروا صورة قاتمة لمستقبل البلاد بعد أسبوع دامٍ مضطرب فى ميدان التحرير وشارع محمد محمود وميادين أخرى.. لنخرج من هذا اليوم بملاحظات كثيرة تصلح أن تكون مجالا لأبحاث أكاديمية فى علم الاجتماع.
تشهد الحشود الهائلة التى اصطفت أمام المقار الانتخابية قبل بدء التصويت بنصف ساعة أو يزيد، والتى خرجت عن بكرة أبيها، زرافات ووحدانا، شيوخًا وشبابا، رجالا ونساء، متعلمين وأميين، نخبة وعاديين، لتساهم فى تكوين أول برلمان حقيقى، على أن الشعب المصرى يريد الخروج من هذه المرحلة بكل ما فيها من مساوئ واضطرابات وادعاءات، عن طريق برلمان يصنعه على عينه، يحقق آماله وتوقعاته. كما تبرهن على أنه يحس إحساسا عميقًا بقضايا الأمن ومشاكل الاقتصاد، وهموم السياسة الداخلية والخارجية، ويتطلع شغوفًا لرؤية مصر قوية متقدمة، كأنه يريد أن يقول للمرشحين الذين سيفوزون: لقد أديت ما على.. فافعلوا مثل فعلى.
إن خروجه بهذه الكثافة وقد كون كل فرد من أفراده رأيه الانتخابى لدليل قاطع على رفضه أن يتحدث أحد باسمه فى أى مكان، كما أنه يظهر رغبته العارمة فى إقامة دولة قوية تسودها الحرية والعدالة الاجتماعية، وتظللها الديمقراطية، ويدلل على حبه للبناء الهادئ بعيدًا عن دوى القنابل المسيلة للدموع، وجحافل الشرطة من ناحية والبلطجية من ناحية أخرى.
ثم هناك النظام الذى اتخذه لنفسه فى الطوابير بدون تدخلات من قوى أمن أو لجان حماية ليترك لنا برهانًا صادقًا على ما يحمله هذا الشعب من مخزون حضارى عميق، وتراث ثقافى كبير.. أما وقوفه فى الطوابير الطويلة لساعات قد تصل إلى أربع ساعات فى بعض اللجان فدليل واضح على إصراره وتحمله فى سبيل تحقيق ما يريد، وتضحيته بالوقت والجهد من أجل هدفه الذى خططه.
من كان ينصت له وبعض أفراده يتسلون بالكلام فى الطابور يدرك أن هذا الشعب قد قام اليوم بتطبيق قانون العزل السياسى دون أن يحتاج إلى اللجوء للقضايا أو للمحاكم أو للدعاوى، نلمس ذلك من تعليقات بعض الواقفين على الفلول أولئك الذى رشحوا أنفسهم، وكيف كانوا ينظرون إلى صورهم.. كأنهم يقولون لهم لقد باد عهدكم ولن يرجع مرة أخرى، ليبدأ عهدنا.
هذا هو الشعب المصرى الصامت حكمةً الصبور المتعقل الذى يحمل داخله مخزونًا ثقافيا وحضاريا.. هذا الشعب لا يقول وإنما يفعل وينجز مباشرة.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة