أثار المرسوم بقانون الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم الخميس قبل الماضى «8 ديسمبر» ردود أفعال واسعة ومتناقضة بين الأحزاب والقوى السياسية والمهتمين بالشأن العام، فالبعض رحب به واعتبره استجابة - ولو جزئية - لمطالب «ثوار» التحرير بضرورة مشاركة المدنيين فى إدارة شؤون البلاد، واعتبره آخرون «زائدة دودية» وليس له دور حقيقى أو «رشوة سياسية» لبعض الأحزاب والشخصيات العامة لجذبها إلى تأييد سياسات ومواقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة التى تواجه معارضة واسعة من قوى ثورة 25 يناير.
وكانت فكرة تشكيل مجلس استشارى مدنى قد طرحت فى لقاء بين بعض أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتقدمهم المشير محمد حسين طنطاوى والفريق سامى عنان وعدد من الشخصيات السياسية العامة وبعض رؤساء وممثلى الأحزاب المدعوين للقاء من جانب المجلس العسكرى، واتفق خلال الاجتماع «الأحد 27 نوفمبر 2011» على تشكيل مجلس استشارى «مدنى» يعمل إلى جوار المجلس العسكرى والحكومة.. وأذاعت وكالة أنباء الشرق الأوسط فى برقيتها حول الاجتماع أن الاتفاق قد تم على «تشكيل مجلس استشارى مدنى يضم فى عضويته عددا لا يقل عن خمسين شخصية من ممثلى الأحزاب والحركات السياسية وشباب الثورة مع بعض أعضاء المجلس العسكرى».
وفى اجتماع تال تم الاتفاق على أن يكون أعضاء المجلس من 30 فردا.
وكان واضحا من الشخصيات التى دعيت لهذه الاجتماعات ومن ثم الشخصيات التى تم اختيارها لعضوية المجلس الاستشارى أن الغالبية العظمى شخصيات لا تنتمى لحزب أو قوة سياسية منظمة، وبالتالى لا تمثل أحدا، كما أن المنتمين لأحزاب وقوى سياسية اقتصر اختيارهم على ممثلى «حزب الحرية والعدالة» الجناح السياسى للإخوان المسلمين و«حزب النور» السلفى و«حزب الوسط» الذى يقدم نفسه كحزب مدنى بمرجعية إسلامية و«حزب الوفد» و«حزب الأحرار المصريين» و«الحزب الديمقراطى الاجتماعى»، وتم تجاهل أحزاب رئيسية أخرى تلعب دورا فاعلا فى الساحة المصرية خاصة «حزب التجمع الوطنى التقديمى الوحدوى»، كما تم تجاهل الائتلافات الرئيسية للشباب «ائتلاف شباب الثورة، واتحاد شباب الثورة» والحركات الاحتجاجية مثل «كفاية» و«6 أبريل» و«الجمعية الوطنية للتغيير».
وكما قال أحد المشاركين فى الاجتماع الأخير الذى تم خلاله التوافق على الشخصيات التى ضمت لهذا المجلس، فقد كان الاجتماع أشبه بـ«قعدة قهاوى»، فكل من يريد أن يطرح اسما يقترح ضمه للمجلس دون حاجة لشرح مبررات الترشيح أو ماذا يمثل فإذا لم يعترض عليه أحد الحاضرين يصبح عضوا، ويؤكد ذلك ما قاله «سامح عاشور» نقيب المحامين من أنه «لم تكن هناك معايير محددة لاختيار أعضاء المجلس الاستشارى.. وتم الاختيار على أساس الشخصيات العامة التى تقدم المشورة والتى لا تمثل أحدا».
والتوقيت الذى اختاره المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإصدار مرسوم تشكيل المجلس الاستشارى يبدو غريبا.. فقد أعلن عشية بدء المرحة الثانية «قبل الأخيرة» لانتخابات مجلس الشعب الذى ستنقل إليه السلطة التشريعية من المجلس العسكرى طبقا للإعلان الدستورى الذى يحكم البلاد، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة وتفويض رئيسها بسلطات رئيس الجمهورية إلا فيما يخص القوات المسلحة والقضاء، ليبدأ المجلس الاستشارى عمله فى الوقت الضائع، ورغم جدية وإخلاص العديد من أعضائه وأهمية الموضوعات المطروحة على جدول أعماله فإن احتمال تجاوب الحكومة ومجلس الشعب والمجلس العسكرى معها يبدو ضعيفا فى ظل حرص كل منها على ممارسة دوره المنصوص عليه فى الإعلان الدستورى والمراسيم الصادرة بشأنها.
باختصار فقد ولد «المجلس الاستشارى» ميتا نتيجة لطريقة تشكيله وعدم تمثيله للتيارات السياسية الحقيقية فى مصر وامتلاك شخصيات من النظام القديم مكانا بارزا فيه، وكذلك لتوقيت التشكيل فى ظل انتخابات السلطة التشريعية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو شهد
ضحكتني