محمود محمد معوض يكتب: هل تصلح الثورة ما أفسده الدهر؟

الخميس، 15 ديسمبر 2011 10:04 م
محمود محمد معوض يكتب: هل تصلح الثورة ما أفسده الدهر؟ صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مع نشأة المجتمع الإنسانى ظهر الصراع على المصالح والأهداف الخاصة، وكل فرد يريد أن يحقق مصلحته، ويصل إلى أهدافه سواء بطريق مشروع أوغير مشروع. ومن هنا وضعت الشرائع والقوانين واللوائح، بحيث كل فرد يعرف ما هى حقوقه، وما هى واجباته، وبحيث لا يطغى طرف على طرف آخر، أو يؤدى الصراع إلى العنف وارتكاب الجرائم من قتل وسرقة.
إن أول صراع نشأ على وجه الكرة الأرضية كان بين ولدى آدم عليه السلام، وهما قابيل وهابيل، وكان هابيل يريد مخالفة الشريعة الإلهية، فأراد قابيل أن يتعدى على حق أخيه، فارتكب أول جريمة فى تاريخ البشرية، وطوعت له نفسه قتل أخيه فأصبح من النادمين.

بعد هذه الجريمة البشعة التى ارتكبها قابيل بحق هابيل شرع "الله عز وجل" العقاب وجزاء ارتكاب الجريمة، والتعدى على حقوق الغير، وكان جزاء من قتل نفساً بغير حق، أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.

ومع ازدياد أعداد الجنس البشرى تعقدت عملية الصراع على المصالح والمنافع فى المجتمع، وتنوعت أشكالها، مثل الصراع الاقتصادى، ويهدف إلى الحصول على أعلى منفعة اقتصادية ممكنة، والصراع البيولوجى، ويهدف إلى السيطرة على الأجساد البشرية، وتطويعها لمصلحة الشخص المسيطر من خلال البلطجة والصراع السياسى، ويرتبط به عمليات التوسع والسيطرة على الرقعة السياسية.

ومن هنا فإن الصراع يمكن أن يكون مشروعاً إذا كان ينشأ دون التعدى على حقوق الأفراد، أو مخالفة للنصوص والقوانين التى تضعها الدولة، على سبيل المثال، لو أن فرداً فى المجتمع يريد أن يرفع من مستوى دخله، وأراد أن يدخل نفسه فى حيز الصراع الاقتصادى، وأراد أن ينشأ متجراً يبيع فيه خمور، مخالفاً لما تريده الدولة، فإن الرغبة فى زيادة دخله مشروعة، ولكن رغبته فى مخالفة النظام العام غير مشروعة،أو أراد أن يسرق فهذا أيضا غير مشروع؛ لأنه يتعدى على حقوق غيره.

وتأزم عملية الصراع ترتبط بالعنف والجريمة بجميع أشكالها من قتل وسرقة وهتك للأعراض والتعدى على حرمة الطريق العام. ومن هنا ينشأ دور الدولة من خلال عمل منظومة أمنية متكاملة تهدف إلى حماية المواطن وأسرته، من القتل والسرقة والبلطجة والتعدى على ممتلكاته الخاصة بشكل خاص، وحماية المجتمع من الخارجين عن القانون بشكل عام، وتنفيذ العقوبات والقوانين على كل فرد أو جماعة، تحاول أن تهدد استقرار وسلامة المجتمع.
إن الدستور المصرى ينص على إن الشرطة تعتبر هيئة مدنية نظامية، وتؤدى واجبها فى خدمة الشعب، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن، وتسهر على حفظ النظام والأمن العام والآداب، وتتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات.

ولكن الشرطة والمنظومة الأمنية فى مصر سواء فى الملكية أو منذ إنشاء الحكم الجمهورى بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، ابتعدت تماماً عن أهدافها، حيث أصبحت الشرطة أداة لخدمة النظام الحاكم، وحمايته من المعارضة، وكل من تسول له نفسه المساس بأمن النظام، ويريد أن يتظاهر سلمياً؛ لكى يعبر عن مطالبه المشروعة، وكانت تحمى الأنظمة السابقة عن طريق الاعتقال والتعذيب والقمع وتلفيق القضايا للمتهمين السياسيين، والتجسس على الشخصيات العامة التى لا تتملق لرئيس الجمهورية، والتى تعادى النظام الحاكم.

الشرطة المصرية لم تؤد دورها فى أن تكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن من البلطجة والتعدى على حقوقهم، بل كانت هى التى تروع المواطنين العاديين، عن طريق الإيذاء النفسى بالشتم والسب والتعدى على كرامة المواطن المصرى، أو الإيذاء البدنى عن طريق الضرب والتعذيب، أو الابتزاز وأخذ الأموال والرشاوى من المواطن بغير حق.

وبدلا من أن يكون رجال الأمن والشرطة تنفذ القوانين، وتراعى النظام وحقوق الإنسان، كانت هى التى تخالفها، وأصبحت ساهرة على حماية تزوير الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى النظام السابق، وتسييس البلطجة لصالح الحزب الوطنى.

إن الدول الديمقراطية عندما يريد المواطنون التظاهر السلمى للمطالبة بالحقوق المشروعة تقوم السلطات الأمنية على الحفاظ على سلامتهم وحمايتهم من البلطجة ومن ارتكاب الجرائم.

لكن فى مصر ومع قيام ثورة 25 يناير2011 استخدم جهاز الشرطة جميع الأساليب القمعية ضد الشعب المصرى؛ لحماية النظام الحاكم، قتلت ما يزيد عن 900 شهيد بالرصاص الحى، وأصابت الألف من المواطنين بإصابات بالغة، وخاصة فى العين باستخدام قناصة الداخلية، بل يزيد عن ذلك بسحب كل أجهزة الشرطة من جميع أنحاء الدولة، وإطلاق سراح المساجين والمجرمين والخارجين عن القانون؛ لترويع المجتمع بأكمله، وانتهاك الأعراض والقتل والسرقة والاغتصاب.

إن النظام السابق نجح فى توظيف المنظومة الأمنية كلها، واستخدام كافة أشكال إرهاب الدولة لحماية مبارك.

وخلاصة القول، إن المنظومة الأمنية فى مصر كانت أداة تستخدم ضد الشعب المصرى فى الأنظمة السابقة، ورمزاً لإساءة استخدام السلطة التى خولها لها الدستور، وهى الشرطة التى من المفترض أنها تخدم الشعب وتكفل له الطمأنينة والأمن.

كان جهاز الشرطة يمثل أداة لسيادة النظام وإذلاله للشعب، ولم يوازن بين الصلاحيات المخولة له التى تحافظ على هيبة الدولة وبين احترامه لحقوق المواطن بل أسقطت الشرطة كرامة الإنسان، مما جعل المواطن المصرى بعد الثورة لم يستطيع هو الآخر أن يوازن ما بين حقوقه التى يكفلها الدستور، وبين سلطات وصلاحيات جهاز الشرطة والأمر الذى نتج عنه إسقاط هيبة الدولة أمام المجرم قبل المواطن، مما أدى إلى انتشار الانفلات الأمنى بمصر حتى هذا الوقت. ولكن هل سيستطيع الشعب المصرى إصلاح المنظومة الأمنية بعد الثورة المصرية أم يجب إعادة هيكلتها بشكل كلى؟

إن المنظومة الأمنية بسبب الفساد الذى نخر عظامها طيلة أكثر من 50 سنة والثقافة والفكر الذى تربت عليها القيادات بداية من القيادة العليا، المتمثلة فى رأس المنظومة وهو وزير الداخلية ومديرى الأمن إلى القيادات الدنيا من صغار الضباط وأمناء ومندوبى الشرطة وغيرهم، لن يمكن إصلاحها فى عدة شهور بل تحتاج إلى عدة سنوات.

ومن هنا أرى أنه لابد من الأخذ بعين الاعتبار عدة توصيات:
1.وضع خطة شاملة لإعادة هيكلة جهاز الشرطة بأكمله، تضع فيها القيادة السياسية المنتخبة خلال الفترة الرئاسية تصوراتها، خلال الخمس سنوات القادمة؛ لتغيير أداء وثقافة الجهاز بأكمله وكيفية تعامله مع المواطنين.

2.وضع خطة قصيرة الأجل من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يتم عمل إحلال وتجديد العاملين بجهاز الشرطة، من خلال فتح باب الالتحاق بكليات الشرطة للأكاديميين وخريجى الجامعات وحملة المؤهلات العليا لإعداد كوادر لجيل جديد من الضباط فى فترة تأهيلية تصل الى 6 شهور، مع الاستعانة بشكل كلى بالخبرات الأجنبية وخبرات بعض دول الخليج التى لها أجهزة شرطة تتعامل بشكل لائق مع مواطنيها لتغيير ثقافة جهاز الشرطة بأكمله دون استخدام مدرسى كلية الشرطة فى التدريس لهذا الجيل.

3.البعثات الخارجية لهيئة تدريس كليات وأكاديميات الشرطة إلى الدول الاجنبية لإعادة تأهيلهم من جديد للتدريس بعد ذلك.

4.تعيين المتفوقين من الدفعة الجديدة فى أكاديميات الشرطة لكى يتولوا التدريس بالكلية لكى يعدوا جيلاً جديداً من الضباط تربى على الثقافة السليمة لمهنة الشرطى.

5.جمعيات حقوق الإنسان يجب أن تمارس دوراً فعالاً ورقابياً على السلطات الأمنية لرصد أى حالات عدم احترام حقوق الإنسان وتعدى، أو تجاوزات من أجهزة الشرطة على المواطنين، فيجب توضيح ذلك للرأى العام المصرى، وإذا ثبت تورط أى من أفراد الشرطة فعلى القيادة السياسية التدخل، ومعاقبتهم واتخاذ الإجراءات المناسبة.

6.على الشعب المصرى مساعدة الشرطة فى التكييف مع الوضع الجديد وأن يحترموا السلطات الحاكمة، وألا يتعدوا على سيادة وزارة الداخلية، وأن يساعدوهم على فرض هيبة الدولة.

7.فى النهاية، أجهزة المنظومة الأمنية يجب أن توازن بين سلطاتها وحقوقها والصلاحيات المخولة لها، بموجب الدستور لفرض هيبة الدولة وبين حقوق وكرامة المواطن المصرى العادى، حتى تصبح الشرطة فى خدمة الشعب والوطن، وليست فى خدمة النظام السياسى الحاكم، وأن يعود الأمن مرة أخرى إلى الشارع المصرى.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

الشاذلي

الشرطة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة