د. رضا عبد السلام

"طباخ الريس".. هل يصبح الحلم حقيقة؟!

الأربعاء، 14 ديسمبر 2011 10:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مَن مِنا لم يشاهد فيلم طباخ الريس، ولو لمرة واحدة، على الأقل من باب العلم بالشىء؟ مَن مِنا لم يدرك أن مخرج ومنتج، بل وممثل هذا الفيلم، لم يكن لهم من هدف سوى تلميع صورة الرئيس المخلوع، حتى كدنا نحن السذج نتعاطف معه؟ ألسنا شعباً عاطفياً؟ ألم تدمع أعيننا ونحن نراه يتسول صفحنا عنه فى خطابه الأخير؟! ولكن "يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" صدق الله العظيم.

مَن مِنا لم يخرج من فيلم طباخ الريس إلا وهو على قناعة بأن الرئيس القابع فى القصر الجمهورى لا علم له بما يجرى خارج الغرفة التى كان يجلس فيها؟ بل.. مَن مِنا لم يداخله شعور بالحلم، وهو أن يرى رئيس جمهوريته يحمل هموم الوطن والمواطن البسيط؟ ألم يذكرك هذا الفيلم بشخصياتنا الأسطورية العظيمة، من أمثال خليفة الإسلام الخامس "عمر بن عبد العزيز" أو جده الفاروق عمر!!

ولهذا لا نعجب أن نرى بطل الفيلم، وهو الممثل طلعت زكريا، واقفاً فى صف الرئيس المخلوع، ومن ثم حنقه الشديد على الثورة والثوار. وحتى أكون منصفاً، لا يمكننا أن نلومه على هذا الشعور، بل لا يمكننا أن نلوم من لم يطلهم شر مبارك ونظامه البائد، فهؤلاء تحركوا بعواطفهم. أما أولئك الذين تنعموا بخيره وبالتكية التى مرحوا فيها على حساب الأغلبية الساحقة من أبناء هذا الشعب، فهؤلاء لديهم مبرراتهم للحزن على فراق الحبيب!!

يبدو أيضاً - والله أعلم - أن السيد طلعت زكريا صدق سيناريو الفيلم، شأن الكثيرين من البسطاء من أبناء هذا الشعب. ولما لا يصدق وقد حظى بشرف اللقاء الحميم بالمخلوع لأكثر من مرة فى قصور الرئاسة، فى وقت عجز فيه الآلاف من علماء هذا البلد من توفير فاتورة العلاج، وماتوا ولم يسمع بهم أحد، فحسبنا الله ونعم الوكيل!.. لذا علينا ألا نلوم الفنان زكريا على مشاعره الفياضة تجاه حبيبه المخلوع، ولكننا أيضاً لنا مشاعر ينبغى أن تُحترَم، لذا ينبغى ألا يلومنا أحد!!

يبدو أيضاً أن "المخلوع" صدق رواية الفيلم، واعتقِد أنه كان يشاهده فى كل مرة يعرض فيها، بل وربما كان يشاهده كل ليلة قبل النوم!! ولما لا وهو الذى كان يسعد ويزهو بلقاءات المدح والثناء، واحتفالات أكتوبر ومطربى الحاكم ليست عنا ببعيد!! هل نسينا كل هذا الهراء!! ولكن نحمد الله تعالى الذى أرانا فيه وفى زبانيته عجائب قدرته. نعم.. لقد أرانا الله فى المخلوع يوماً أسوداً عندما وُضِع ذليلاً فى القفص، وعندما تعرف بنفسه على حقيقة موقعه فى قلوب المصريين (لنقل أغلب المصريين)، الذين أنوا وعانوا وامتهنت كرامتهم لعقود على يديه، وعلى يدى عصابته وزبانيته!!

ما علينا.. السؤال الآن: بعد أن قامت ثورتنا العظيمة والمبهرة، هل سيتمكن أبناء الكنانة من رؤية حاكم يخشى الله فيهم؟! هل سيتمكن المصريون من إعادة عجلة التاريخ ويأتوا لنا بعمر بن عبد العزيز، أو بجده الفاروق عمر بن الخطاب؟! هل سيعايش المصريون حاكماً يذكرنا بالصديق أبى بكر، الذى وقف أمام الناس بعد مبايعته خليفة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال فيهم: "وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى". هل يمكننا مواصلة رحلة إبهار العالم، ومن ثم تصحيح الصورة القميئة التى رسمها المتطرفون لديننا العظيم خلال العقود الثلاثة الماضية؟!

يرى البعض أن التيارات الإسلامية الفاعلة الآن، وخاصة التيار السلفى، لن يكون بمقدورها تقديم الشخصية التى طالما حلمنا بها. فالفترة القادمة ستكون بحسب رأى البعض فترة تناحر وخلاف سواءً بين كل من الإخوان والسلفيين، أو بين التيارات الإسلامية والتيار العلمانى. ولهذا يتصور هؤلاء أن هذا الحلم قد يتعذر تحقيقه على الأقل فى المستقبل المنظور!!

أتمنى أن نستلهم الدروس والعبر من تاريخنا الإسلامى والتاريخ العالمى بوجه عام. فالتيارات الإسلامية أمامها فرصة فريدة، فإما أن تقدم مشروعاً حضارياً لنظام حكم يعيد تعريف الغرب والعالم بالإسلام، أو أن ترسب فى هذا الاختبار، ومن ثم يُخرِج من يسمون بالعلمانيين ألسنتهم تشفياً فى كل من حلم بدولة وحاكم يقود أرض الكنانة نحو التقدم انطلاقاً من رؤية إسلامية!!

لاشك أن المثل القائل "راحت السكرة وجاءت الفكرة" بات شديد الانطباق على التيارات الإسلامية، وأنها باتت فى أرض الملعب أو أن الكرة فى ملعبها. ولكن فى اعتقادى المتواضع، سيتوقف نجاح التيارات الإسلامية على العديد من الاعتبارات، أولها اتحاد الكلمة والرأى وخاصة فيما بين الإخوان والسلفيين، وثانيهما الاستعداد والنجاح فى طرح رؤى "وسطية وموضوعية معتدلة" بشأن مختلف القضايا الخلافية أو محل اهتمام الداخل والخارج، مثل قضايا الأقباط والسياحة والتعامل مع الغرب، والكثير من القضايا الاقتصادية...الخ.

فهل ستنجح التيارات الإسلامية فى تحويل حلمنا، الذى حلمنا به ونحن نشاهد "طباخ الريس"، إلى حقيقة واقعية؟! هل ستتمخض هذه التجربة عن حاكم يحظى بحب الناس وقبولهم "مسلمين ومسيحيين" مثلما كان الحال مع عمر بن العاص رضى الله عنه عندما فتح مصر؟! هل سنرى حاكماً فى رقة قلب الصديق وحزم الفاروق وسماحة عمر بن عبد العزيز؟! بصفتى مصرى مسلم أتمنى أن أرى هذا الحلم حقيقة قبل أن ألقى الله تعالى. وعليه، فإن الإجابة على تلك التساؤلات المصيرية ستكشف عنها الأشهر والسنوات القادمة. والله ولى التوفيق.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة