د.عبد الجواد حجاب يكتب: ثرثرة سياسية

الأربعاء، 14 ديسمبر 2011 09:27 ص
  د.عبد الجواد حجاب يكتب: ثرثرة سياسية جانب من اجتماع للمجلس الاستشارى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سميتها ثرثرة سياسية بالمعنى الإيجابى للثرثرة وليس المعنى السلبى، فالشعب المصرى بعد الثورة المباركة (التى لعبت فيها ثورة المعلومات والاتصالات دورا هاما ورئيسيا)، أصبح عنده شغف شديد بالكلام والدردشة فى السياسة لدرجة أن الساعة تمر تلو الساعة وكل أحاديثنا لا تخرج من إطار السياسة ولا تستطيع أن تفرق هنا بين الأمى وغير الأمى، لأن الشعب كله بكل فئاته العمرية أى كان رجلا أو امرأة منذ الثورة ينام ويصحو على الكلام فى السياسة إذاعات وقنوات فضائية وصحف ورقية، وأخرى إليكترونية ومواقع إليكترونية ومواقع للتواصل الاجتماعى، وكل ما نتج عن ثورة المعلومات والاتصالات ومفكرين ومثقفين ومرشحين للرئاسة ومرشحين للبرلمان ومؤتمرات انتخابية وحملات توعية من بيت إلى بيت وفتيات وفتيان من الأحزاب المختلفة تنتقل من بيت إلى بيت لتوعية ربات البيوت فى السياسة والدعاية للأحزاب المختلفة ولا تنسى توعية رجال الدين فى المساجد والكنائس ولا تنسى الوقفات الاحتجاجية والمليونيات فى الميادين.

هذه الثرثرة السياسية بمفهومها الإيجابى بدون شك شكلت وجدان ووعى سياسى متعاظم جدا عند الشعب المصرى العظيم لا ينكره إلا جاحد ولا يشكك فيه إلا عدوه التقليدى من أبناء الصهاينة. بل أعتقد أن ثورة المعلومات والاتصالات والإنترنيت هى صانعة الربيع العربى والمصرى على وجه الخصوص لذلك نرى أن من وسائل مقاومة الربيع عن الحكام المخلوعين قطع الاتصالات والإنترنيت والتشويش على الفضائيات. فى خضم هذا كله هناك ما عجبنى وأيضا ما أفزعنى فى هذه الثرثرة السياسية المصرية على ضفاف نيلها العظيم. وهنا أحببت أن اسرد بعضا مما أعجبنى وبعضا مما أفزعنى.

وما أعجبنى حقيقة كثير جدا جدا وحتى لا تطول الصفحات سأذكر منه ما نال إعجابى الشديد فى خضم هذا المحيط السياسى والمعلوماتى الكبير الذى نتج عن ثورتنا المباركة التى أثرت الفكر السياسى عند المصريين. أول ما أعجبنى أن ثورتنا المباركة وضعت دولة إسرائيل فى مأزق حقيقى لأنها عادت إلى موقعها الطبيعى كعدو مصر الأول والأوحد وظهر ذلك جليا فى القلق الذى عانى منه قادتها السياسيين والعسكريين ومازالوا بعد ما خسروا أصدقاءهم المخلوعين.

أعجبنى أيضا انبهار العالم بالشرف العظيم والوطنية المبهرة الذى عبر عنه جيش مصر البطل عندما قدم التحية علنا لشهداء ثورة يناير رحمهم الله وعندما رفض إطلاق رصاصة واحدة على أبناء الشعب الثائرين وعبر عن ذلك والد أحد شهداء الإسماعيلية فى مواجهة مع قائد المنطقة العسكرية الشمالية فى مكتبه عندما قال له حسبى الله ونعم الوكيل إذا كنتم قتلتم ابنى فرد عليه القائد باكيا من حزنه وتعاطفه مع والد الشهيد قائلا أقسم بالله العظيم لم تخرج رصاصة حية من بندقية أى عسكرى على أى مواطن مصرى منذ اندلاع الثورة. وفى نفس السياق أعجبنى التزام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بخارطة الطريق الموضوعة وتسليم السلطة لمن سيختاره الشعب أى يوليو 2012م. هذا بالرغم من أن تصريحات بعض أعضائه أفزعتنى بما تثيره من بلبلة ليخرج آخر ينفيها أو يصححها.

أعجبنى أيضا الخروج الكبير والمبهر للشعب المصرى لاختيار ممثليه فى البرلمان، حيث كانت الطوابير الطويلة التى أبهرت العالم وأثارت إعجابه بالمصريين ووعيهم السياسى الذى زاد عن كل التوقعات وأعجبنى تأكيد كل القادة الغربيين على قبولهم وارتياحهم واستعدادهم للتعامل مع من سيختاره الشعب المصرى بإرادته الحرة مهما كان اسم الحزب وإقرار الكثير منهم بقناعتهم أن النتائج مهما كانت ستكون هى النتيجة المنطقية للحرية التى ينعم بها الشعب فى ظل الثورة المباركة. هذا بالطبع مع أن تصريحات قادة إسرائيل تفزعنى وتثير قلقى.

أعجبنى أيضا ما أسفرت عنه نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات من صعود متوقع للتيار الإسلامى وخاصة أننى مقتنع بأن التيار الإساسى للمجتمع المصرى يؤيد التوجه الإسلامى لبعض الأحزاب وأن صعود الإسلاميين أو غيرهم ما هو إلا نتاج طبيعى للديمقراطية وأيضا أعجبنى العزل السياسى الذى طبقه الشعب فى صناديق الاقتراع على الفلول الضالة للحزب المنحل وأذناب النظام المخلوع. هذا بالرغم من أن استخدام دور العبادة فى الدعاية الانتخابية أفزعنى بشدة مع فزعى أيضا من بعض التصريحات الطائفية المشينة للبعض فى خضم المعركة الانتخابية.

أفزعنى استمرار استخدام الفزاعة القديمة للنظام السابق بواسطة ما تبقى منه فى أعلامنا الحر وفى الكثير من المواقع وأقصد هنا فزاعة الإسلاميين وتعمد تقسيم المجتمع إلى إسلاميين وعلمانيين مما أدى إلى حدوث استقطاب حاد وإفزاعنا أكثر وأكثر بإمكانية حدوث حرب أهلية فى مصر. وأقول لهم كيف تحدث حرب أهلية فى بلد لم يعرفها على مر التاريخ وكيف تحدث حرب أهلية فى بلد ينعم بالحرية والقضاء العادل وينعم بجيش وطنى قوى وينعم بمرجعية الإسلام الوسطى فى العالم وهو الأزهر الشريف وينعم بأقوى كنيسة وطنية فى العالم وهى الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية. وأتعجب من خوف البعض على السلام الاجتماعى فى مصر ونسى قوة نسيجها الوطنى على مر العصور وفى أحلك الظروف.

أعجبنى المصريين فى موكبهم الانتخابى فوجدت رجالا خسروا الانتخابات ولكنهم كسبوا قلوب الناس وآخرين كسبوا الانتخابات وقلوب الناس معا وآخرين خسروا قلوب الناس فخسروا الانتخابات. تعجبنى الفسيفساء المصرية التى حباها الله بسنته فى التنوع ولكنها متناسقة كألوان الطيف الجميلة والتى ظهرت جلية ومنصهرة فى ميدان التحرير أيقونة الحرية. ويفزعنى استمرار القتل والدم فى ميدان الثورة السلمية وامتلاء سماؤه بالدخان ورائحة البارود فى عصر الحرية والكل يتهم الكل والجميع يقولون إنهم أبرياء وكان رجال من الفضاء حضروا وقاموا بالجرائم الشنعاء ولم نتمكن من القبض على أحدهم ونقدمه للعدالة.

أعجبتنى حكومة الدكتور الجنزورى مع أننى لا أعول كثيرا على ما ستفعله ليس بسبب الكفاءة والصلاحيات ولكن بسبب ضيق الوقت وهى لا تملك إلا بقايا ميزانية الحكومة السابقة أعجبنى وزراؤها القادمون من نقابة المعاشات ومنهم من بقايا النظام البائد، وبالرغم من هذا أفزعنى تصريح الدكتور كمال الجنزورى بأن البعض يعامله على انه رئيس وزراء العدو وهنا اتساءل لهذه الدرجة مصر ليست ولادة وأتساءل أين ما خلفه لنا ميدان التحرير من إشراف ونبلاء لهذا أتعجب.

وأخيرا أذكر نفسى وأقول للجميع لا تنسوا أن الثورة نعمة من الله علينا بها الثورة هدية السماء لشعب مصر فلا تضيعوها وعضوا على مبادئها بالنواجز واعلموا أننا كلنا مصريون متساوون أمام الله والقانون وأن الحرية جزء من عقيدتنا الدينية واعلموا أن مصر للمصريين جميعا وإرادة المصريين الحرة فوق كل شىء ولا شىء فوقها لهذا أعتقد أن الملايين على استعداد للموت فى سبيل الحفاظ على ثورتهم ومبادئها وثورتنا مازالت مستمرة لأن فى بداية الطريق.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة