سعد هجرس

امسحى دموعك يا حكومة

الأربعاء، 14 ديسمبر 2011 03:52 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دموع رئيس الحكومة الدكتور كمال الجنزورى، عزيزة والأرقام الجافة هى المفردات الأساسية السائدة فى حديثه، سواء فى المحافل العامة أو حتى فى المجالس الخاصة، والتخطيط الصارم هو منهجه فى التفكير فى جميع القضايا، ولذلك فوجئ الكثيرون بدموعه تنهمر أثناء حديثه مع الصحفيين يوم الأحد الماضى، ولعل سبب المفاجأة هو أن الصورة الشائعة عن الرجل أنه «ماكينة» أرقام صماء، كما أن الصورة الشائعة عن الأرقام أنها بلا قلب، فضلا عن أن الصورة الشائعة عن الاقتصاد عموما أنه لوغاريتمات ومعادلات تستعصى على الفهم.

والحقيقة هى أن هذه كلها أوهام أو انطباعات مشوهة، فالاقتصاد- وأرقامه- هو «الحياة» بكل تفاصيلها، وبكل ما فيها من دراما وتراجيديا ومشاعر إنسانية نبيلة ومنحطة.. صراع من أجل البقاء والدفاع عن الكرامة الإنسانية، والحق فى الحياة، والجشع والبخل والولع باكتناز الثروات حتى دون الاستمتاع بملذاتها، مع الاستعداد لارتكاب الجرائم وشن الحروب وسفك الدماء، وهو ما حذر منه مؤسس علم الاقتصاد آدم سميث بقوله «إن المجتمع الحر والأسواق باتت مهددة بسبب إهمال الأساسيات وفى مقدمتها ضمان العدالة وغرس الفضيلة».

وربما يفاجئ هذا البعد «الأخلاقى» كثيرين ممن قرأوا آدم سميث قراءة سطحية، وتصوروا أنه يقدس حرية الأسواق ويعتبرها «أم الحريات» ولكن ها هو يقول: إن حرية الإنسان أهم من حرية الأسواق. وهذا كلام يقع على طرفى نقيض مع من يسميهم الدكتور جودة عبدالخالق- وزير التموين والمفكر الاقتصادى المرموق- بـ«كهنة الأسواق» الذين يلعبون دورا بارزا اليوم فى تشكيل مصير الأمم والشعوب ونشر الفقر والبؤس على أوسع نطاق باسم الإصلاح الاقتصادى.

فإذا عدنا إلى دموع الدكتور كمال الجنزورى سنجدها تعبر عن الجانب الرومانسى والإنسانى فى الاقتصاد الذى يحاول جعل حياة الناس أكثر بهجة وسعادة، وهذا هو هدف الثورة- أى ثورة- وهو بالتأكيد أحد الأهداف البارزة لثورة 25 يناير، لكنه جانب تم التشويش عليه بحجج سياسية متهافتة، ولذلك أصبحت حياة الناس بعد 25 يناير أسوأ مما كانت عليه قبلها، وليس هذا عيب الثورة وإنما هو يعبر عن التركة المثقلة التى خلفها لنا نظام حسنى مبارك التى وصل فيها معدل الفقر إلى %70، ويعبر- ثانياً- عن سوء إدارة المرحلة الانتقالية سواء من جانب المجلس العسكرى أوحكوماته، وقد فوجئ الجنزورى بأن سوء الأوضاع الاقتصادية أكثر من كل تصور وأن سوء أحوال المصريين يفوق الخيال ولهذا انهمرت دموعه.

وإذا كانت هذه الدموع دليلا على إنسانية الرجل ورقة مشاعره، فإنها لا تكفى لإطعام جائع أو إنقاذ عاطل أو إقامة أود أسرة تبيت دون عشاء، والاقتصاد الذى خلفه لنا حسنى مبارك لم يعد يفيد معه «إصلاح»، وإنما هو يحتاج إلى «ثورة»، وهذا ما بقيت أكتب عنه بعد 25 يناير دون جدوى تحت عنوان «ثورة الاقتصاد.. الفريضة الغائبة»، وهذه الثورة المنشودة لا تستدعى فقط تحرير الاقتصاد المصرى من قبضة «رجال مبارك» الذين مازالوا يهيمنون على كل المؤسسات والهيئات الاقتصادية والمالية، وإنما أيضا تحريره من «السياسات» المباركية التى أدت إلى تقنين «الاحتكار» و«الفساد» وتدمير الاقتصاد العينى، الإنتاجى، فى الصناعة والزراعة، وتشجيع الأنشطة الطفيلية والخدمية وما يسمى عموما بـ«رأسمالية المحاسيب».

وما يجب فعله على طريق إقامة اقتصاد بديل يلبى مطالب الثورة والثوار.. كثير وممكن، ويجدر البدء فى وضعه موضع التنفيذ اليوم قبل الغد، ليس فقط منعا لمزيد من الدموع وإنما حقنا لدماء كثيرة يمكن أن تسيل بسبب الفقر الكافر والفساد الفاجر والثورة المضادة التى توجد جذورها ومصالحها الجشعة فى تلافيف الاقتصاد وتكشر عن أنيابها فى السياسة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة