أكدت أحداث التحرير الأخيرة أن الحفاظ على شراكة أطراف الثورة، الشباب الذى فجر والشعب الذى احتضن والجيش الذى لم يعترض هو الطريق الوحيد للوصول إلى بر الأمان.. لقد عجز المجلس العسكرى عن فرض إرادته على الجميع، ومازالت أدوات الميدان ناقصة لم تصل بشبابه إلى السلطة، كما أن القوى الإسلامية فشلت فى فرض إرادتها وسوف تظل عاجزة حتى لو فازت بأغلبية البرلمان.. أما الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى فعاجزة عن الفعل المؤثر بعد فشلها فى مجرد جمع وتنظيم التيارات السياسية المفترض أنها تمثلها.. استمرار محاولات لى الذراع وفرض الإرادة سوف يودى بالثورة، ويضر بجميع أطرافها، فكرة مجلس حكم مدنى بديلا عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يصدق عليها المثل الإنجليزى"ليس كل ما يبرق ذهبا".
يجب التفكير فى أدوار مقننة ومتفق عليها، يضمنها دستور متوازن، واتفاق غير مكتوب بترك الرئاسة فى السنوات الأربع القادمة لأحد أعضاء المجلس العسكرى، وتشكيل حكومة ائتلافية تترجم أغلبية البرلمان وشرعية الميدان.. وحتى وضع الدستور فإننا نحتاج لحكومة تترجم شرعية الميدان بحق حتى لو قبلنا رئاسة الجنزورى لها، وليس حكومة موظفين كالتى يجرى تشكيلها مهما كانت كفاءة هؤلاء الموظفين، ولا مجرد مجلس استشارى كالذى تم تشكيله بغض النظر عن نوع ما يطلب منه من "استشارات".
لقد أكدت أحداث التحرير وانتخابات المرحلة الأولى لمجلس الشعب أنه حان وقت التفكير الحقيقى لمسيرة الثورة فى المرحلة القادمة.. وذلك قبل أن ندخل فى دوامة الصراع بين أطراف العملية السياسية، وينسى الجميع أن شرعية كل منهم مكتسبة من هذه الثورة وحدها، وليس من ائتلافات "الصامتين"، ولاحتى انتخابات البرلمان، التى ستفقد سندها الشرعى لو تناقضت مع ميدان التحرير، كما يفقد المجلس العسكرى شرعيته لو ظن أن ميدان العباسية- مهما بلغ عدد المحشودين فيه "يسمن أو يغنى من جوع".
ثورة يناير هى استكمال لمسيرة النضال الوطنى منذ عصر محمد على وحتى اليوم، ولا تتناقض مع هذه المسيرة ولاتنقطع عنها، نحن فى أمس الحاجة إلى خارطة طريق واضحة للسنوات الأربع القادمة:-
1-نحتاج لدستور منضبط النصوص، يؤكد على هويتنا العربية، ومصدرية الشريعة الإسلامية، ويحدد الحقوق والحريات العامة التى لايمكن اختراقها، والحد الأدنى لأوضاع العدالة الاجتماعية التى لا يمكن التنازل عنها، وشكل نظام الحكم واختصاصات سلطاته، وحدود استقلالها وتعاونها.. ربما يناسبنا النمط الفرنسى الذى يخص الرئيس بالتعاون مع الحكومة فى إدارة السياسة الخارجية والدفاعية، ويترك للحكومة الحائزة على أغلبية البرلمان وضع وتنفيذ سائر السياسات الأخرى.
أما ماعدا ذلك فيترك للأحزاب وبرامجها المتعددة التى يختار الناخب من بينها ما يوافق هواه.. فمن أراد الاعتماد على القطاع العام والتمكين للعمال والفلاحين.. إلخ، كان له أن يفعل إذا فاز بالأغلبية، ومن أراد تطبيق ما يظنه الشريعة الإسلامية فى جميع وجوه الاقتصاد والسياسة والاجتماع، فحسبه برنامجه المطروح على الناخبين، ومثلهم من أراد بلادنا علمانية رأسمالية مفتوحة الأسواق بلا رقيب ولاحسيب.. لكن لا شأن لكل هذه البرامج والأفكار بنصوص الدستور.. وإنما يكون مجالها التشريع الذى يملكه الاتجاه صاحب الأغلبية البرلمانية، والذى يمكن تعديله أو إلغاؤه مستقبلا إذا تغيرت الأغلبية أو تبدلت الظروف.
2- رئيس من بين أعضاء المجلس العسكرى الحالى لفترة السنوات الأربع القادمة يختص مع الحكومة بإدارة شئون الأمن القومى والسياسة الخارجية والدفاع دون أى اختصاصات أخرى، بما فى ذلك اختيار وعزل الوزراء الذى يكون حقا خالصا لرئيس الوزراء المختار بواسطة أغلبية البرلمان.
3-حكومة من الشخصيات صاحبة أكبر إسهام وتفاعل مع الثورة وشبابها مثل (البرادعى، عمرو موسى، حسام عيسى، ممدوح حمزة، أبو العلا ماضى، كمال أبو عيطة، محمد البلتاجى، أيمن نور، عبد المنعم أبو الفتوحى جورج إسحاق سمير مرقص، أحمد بهاء شعبانى أحمد ماهر، خالد تليمة وأمثالهم). يؤيدها البرلمان القادم أيا كانت الأحزاب الممثلة فيه، وتتولى إعادة تأهيل البلاد ومؤسساتها وهيئاتها وعلى رأسها جهاز الشرطة وكذا الجهاز الإدارى كله لمهام الدولة الديمقراطية المبتغاة، والتى تكون ملكا للشعب وليس للحكام، وتؤدى هيئاتها وأجهزتها العامة وظائف محددة لخدمة النظام السياسى والمواطنين فى حياد كامل بين الأحزاب والتيارات والقوى السياسية سواء كانت فى الحكم أو المعارضة.
ولا نزال نحتاج إلى مزيد من النقاش والحوار.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية
شرعية الميدان وليس ائتلاف الصامتين