أرجع مصرفيون وخبراء اقتصاديون هروب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة على مدى العام الجارى بقيمة حادة تجاوزت الـ10 مليارات دولار، إلى حالة عدم وضوح الرؤية السياسية خلال الوقت الحالى، وطبيعة نظام الحكم القادم، والانفلات الأمنى الذى عانت منه مصر خلال الشهور القليلة الماضية، مؤكدين أن نجاح التجربة الانتخابية ونزاهتها من شأنها أن تعيد ثقة المستثمرين الأجانب فى الاقتصاد المصرى مرة أخرى، مطالبين بضرورة إعادة النظر فى السياسات المالية والنقدية التى وضعها النظام السابق.
وتنقسم الاستثمارات الأجنبية فى مصر إلى قسمين رئيسيين، مباشرة وغير مباشرة، وباع الأجانب ما فى حوزتهم من استثمارات فى الأوراق المالية بقيمة كبيرة بلغت 7.1 مليار دولار، وهى صافى التدفق للخارج خلال الفترة من يناير إلى يونيو من العام الجارى، نتيجة تخلص الأجانب مما فى حوزتهم من محفظة الأوراق المالية المستثمرة فى مصر، خاصة أذون الخزانة المصرية التى أسفرت عن صافى مبيعات بلغ نحو 6.1 مليار دولار، طبقا لما أعلنه أحدث التقارير الصادرة عن البنك المركزى المصرى.
وقال هشام عز العرب، رئيس مجلس إدارة البنك التجارى الدولى، فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع» إن المشهد الانتخابى الإيجابى للمرحلة الأولى من الاستحقاق الانتخابى الأول لمصر بعد ثورة 25 يناير، والتى أجريت على مدى الأسبوعين الماضيين تعد حدثا تاريخيا كبيرا، من شأنه أن يعيد ثقة المستثمرين الأجانب فى الاقتصاد المصرى مرة أخرى، خاصة أن الأجواء الانتخابية بصفة عامة شهدت إقبالا شديدا من الناخبين على التصويت، ونسبة تصويت هى الأعلى فى تاريخ مصر، فى انتخابات ترقبها العالم واتسمت بالنزاهة والشفافية.
وأضاف عز العرب أن الإنتاج والعمل والاستقرار الأمنى وتجميد الاحتجاجات الفئوية تعد أولويات مهمة جدا فى المرحلة الحرجة التى تمر بها مصر حاليا، مؤكدا أن عودة القطاعات الإنتاجية للاقتصاد المصرى للعمل، خاصة الُمدرة للعملة الصعبة، مثل السياحة والاستثمار الأجنبى والتصدير، والتى تعد أهم القطاعات الاقتصادية الداعمة لاحتياطى مصر من النقد الأجنبى، من شأنها أن ترفع أرصدة الاحتياطيات الدولية لمصر، والتى تأثرت بشدة خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام الجارى.
وقالت بسنت فهمى، المستشارة السابقة لبنك البركة – مصر والخبيرة المصرفية، إن الاستثمارات الأجنبية بشقيها المباشرة وغير المباشرة تضررت بشدة نتيجة الأحداث السياسية التى مرت بها مصر وسائر الأقطار العربية، فيما عرف إعلاميا بـ«الربيع العربى»، وساهمت الاضطرابات السياسية فى موجة هجرة لتلك الاستثمارات بقيمة بلغت نحو 10 مليارات دولار خلال العام الجارى، مضيفة أن البنوك الإسلامية لا تتعامل فى الاقتصاد غير الحقيقى «الاستثمارات غير المباشرة»، والتى تشمل المضاربات فى أسواق المال، وأسواق صرف العملات، نظرا للأضرار البالغة الناجمة عن تلك التعاملات والخسائر الهائلة التى تحققها، فضلا على عدم اتفاقها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وأضافت فهمى فى تصريحات خاصة لـ»اليوم السابع» أن التعاملات فى أسواق السلع والمنتجات غير الأخلاقية وغير المجازة شرعا مثل منتجات التبغ والسجائر، والخمور وصالات القمار، لا تمولها البنوك الإسلامية، وهى استثمارات لا تشارك فيها البنوك الإسلامية، مؤكدة أن كل أنواع المشروعات الإنتاجية الأخرى، والشراكات مع الشركات متعددة الجنسيات، تمولها البنوك الإسلامية، نظراً لأنها تعد من محفزات النمو الاقتصادى، وتعمل على خلق فرص عمل جديدة.
وعن شكل الاستثمارات الأجنبية وقطاعات الاستثمار فى الأسواق المحلية قالت فهمى إن الاستثمارات الأجانب من الدول الأوروبية والأمريكية، تتركز بشكل كبير فى قطاعات الصناعة والسياحة والاستثمار فى الأوراق المالية من أذون وسندات الخزانة المصرية، مؤكدة أن حجم الاستثمارات على مستوى العالم قلت بشكل حاد خلال العام الماضى، نتيجة لحالة الركود التى عصفت بدول أوروبا وأمريكا.
وأضافت المستشارة السابقة لبنك البركة – مصر والخبيرة المصرفية أن المستثمرين العرب يقبلون على المشروعات العقارية وقطاع المقاولات والأراضى على مدى الفترة الماضية، وإنشاء المدن الجديدة والمولات التجارية، وقطاع السياحة، مطالبة بإعادة النظر فى السياسات النقدية والمالية التى وضعها نظام مبارك السابق.
من جانبه، أرجع محسن رشاد، مدير عام ورئيس قطاع المؤسسات المالية بالبنك العربى الأفريقى الدولى، التراجع الحاد فى الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة خلال العام الجارى إلى الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الأمنى، نتيجة أحداث ثورة 25 يناير، وخوف المستثمرين الأجانب من ضبابية الرؤية السياسية، وطبيعة نظام الحكم القادم، موضحا أن الاستثمارات الأجنبية سجلت مستوى 2.2 مليار دولار، فى نهاية السنة المالية الماضية 2010 - 2011 بعد أن سجلت قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008 نحو 13.2 مليار دولار.
وأضاف رشاد، فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»، أن البنك المركزى المصرى هو الجهة المنوط بها تقييم تلك الأرقام الخاصة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، وأن الاضطرابات السياسية الأخيرة هى المسؤولة عن خروج تلك الاستثمارات من مصر، وأن نجاح تجربة الانتخابات البرلمانية وما اتسمت به من نزاهة خلال مرحلتها الأولى وما يتبعها من استحقاق رئاسى قادم، من شأنها أن تعيد ثقة المستثمر الأجنبى فى الاقتصاد المصرى مرة أخرى.
وأوضح رشاد أن التخارجات التى حدثت من قبل المستثمرين الأجانب فى الشهور الأولى للثورة من الاستثمار فى أذون وسندات الخزانة المصرية، والتى يطلق عليها «الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة»، بلغت نحو 10 مليارات دولار، متأثرة بالأجواء السلبية التى أثرت سلبا على المستثمرين الأجانب، مؤكدا أن عودة الاستثمار الأجنبى مرهون بتحسن الظروف السياسية واستقرار الأوضاع الأمنية.
وسجلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة رقما قياسى لها فى العام المالى 2007 – 2008 13.2 مليار دولار قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية، والتى أثرت سلبا بحجم الاستثمارات التى دخلت مصر، لتسجل فى العام التالى 2008 – 2009، 8.1 مليار دولار، وشهدت تلك الاستثمارات نموا بقيمة سالبة لأول مرة فى تاريخها، خلال السنة المالية لتسجل 163.6 مليون دولار، فى نهاية الربع الثالث من العام المالى الماضى، تأثرا بالأحداث السياسية التى مرت بها البلاد والتداعيات السلبية على الاقتصاد، وعادت لتحقق 99 مليون دولار نموا إيجابيا فى الربع الأخير من السنة المالية، والمنتهى فى يونيو الماضى.
وأضاف رشاد أن هذا التراجع يعد الأدنى منذ 7 سنوات، نظرا للأضرار السلبية التى لحقت ببيئة الاستثمار فى مصر نتيجة التداعيات السلبية لثورة 25 يناير، خاصة أن المستثمر الأجنبى يدرس السوق المحلية قبل إقدامه على دخولها، وهو ما ساهم فى خروج تلك الاستثمارات فى أعقاب الثورة بنسبة حادة.
وتابع: إن أعلى مستوى سجلته كان خلال العام المالى 2007 – 2008، عندما سجلت 13.2 مليار دولار، مؤكدا على أهمية الاستقرار السياسى وسرعة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية لعودة تلك الاستثمارات مرة أخرى، مع عودة ثقة المستثمرين فى الاقتصاد.
وأضاف مدير إدارة المؤسسات المالية بالبنك العربى الأفريقى الدولى أن مناخ الاستثمار تحكمه عدة عوامل منها البيئة التشريعة والقوانين المنظمة للاستثمار والتشريعات الضريبية ومدى سهولة استرداد الأموال المستثمرة فى الأسواق المحلية وتكلفة الأيدى العاملة ومستوى الاستقرار السياسى، مشددا على أهمية العمل على تحسين تلك العوامل خلال الفترة المقبلة لضبط بيئة ومناخ ممارسة الأعمال والاستثمار فى مصر ودفع عجلة النمو الاقتصادى مرة أخرى لمستويات أعلى من ذى قبل.
وأورد تقرير حديث للبنك المركزى المصرى، ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج لتسجل أعلى مستوى فى تاريخها، بنسبة %30.2، بقيمة إجمالية خلال العام المالى 2010 – 2011 لتصل إلى 12.4 مليار دولار، مقارنة بـ9.5 مليار دولار فى العام المالى السابق له، ومقارنة بـ3 مليارات دولار فى العام المالى 2001 – 2002، وهو ما ساهم فى دعم الموارد الدولارية لمصر نتيجة تأثر الموارد الأخرى مثل السياحة والاستثمار.
الاستقرار السياسى والأمنى يعيد 10 مليارات دولار استثمارات أجنبية هاربة.. عز العرب: المشهد الانتخابى الإيجابى من شأنه أن يعيد ثقة المستثمرين الأجانب مرة أخرى
الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011 05:01 م