حالة من الترقب والحذر تسيطر على المستثمرين فى البورصة، سواء الأجانب أو المصريين، بسبب الغموض الذى يسطر على مستقبل الوضع الاقتصادى حاليا ومستقبلا.. فقبل ثورة 25 من يناير كانت البورصة عبارة عن مزيج من المضاربات والعشوائية، وفى الوقت نفسه كان هناك نوع من الاستثمارات الكبيرة التى استفادت منها بعض الشركات العاملة فى السوق والمملوكة لعدد محدد من رجال الأعمال.
قبل الثورة كانت البورصة تتعامل بمنطق القطيع الذى يسير «يشترى أو يبيع» دائما بناء على خبر أو إشاعة، وهو ما كان يُحدث هزات عنيفة فى السوق تضيع معها مدخرات الآلاف من صغار المستثمرين الذين لجأوا للبورصة لاستثمار أموالهم التى حصلوا عليها، غالبا من تسويات المعاش المبكر مثلا، الناتج عن برامج الخصخصة التى كانت عشوائية أيضا وقائمة فى الأساس على جمع المال حتى لو كان على حساب بيع الشركات العامة بأقل من نصف ثمنها وتسريح آلاف العمال بها.
البورصة نفسها كانت غالبا ما تدعم هذا الاستثمار العشوائى باتخاذ العديد من الإجراءات السريعة وغير المدروسة مثل إيقاف وشطب عدد كبير من الشركات دفعة واحدة بحجة أنها لا تلتزم بإجراءات وقواعد القيد مثل ما حدث فى 2009 أثناء تولى ماجد شوقى رئاسة البورصة، والذى أوقف حوالى 30 شركة دفعة واحدة، وهو ما أدى لانهيار السوق وقتها وتجميد ملايين الجنيهات فى هذه الشركات، ورغم قيام إدارة البورصة اللاحقة بإصلاح ما فسد إلى حد ما، إلا إن كانت هناك عيوب كثيرة مثل عدم كفاية عمليات الإفصاح والشفافية من الشركات والبورصة على حد سواء فى كثير من القضايا المهمة للسوق، والتى سعت الرقابة المالية والبورصة لاحقا فى تغيير إجراءاتها إلى حد ما، إلا أنه مازال غير كاف، كما كانت إدارات البورصة تواجه اتهامات متتالية بمحاباة بعض الشركات الكبيرة والتغاضى عن أخطائها فى الوقت الذى تسارع فيه فى اتخاذ عقوبات رادعة للشركات الصغيرة، ورغم نفى مسؤولى البورصة ذلك مرارا فإن الفكرة كانت راسخة عند الكثيرين، وهو ما عمق عدم الثقة فى السوق خلال الفترات السابقة والذى ظهر واضحا فى التدنى الكبير لأحجام التداول والتناقص المتواصل فى السيولة بالسوق.
الحكومة أيضا كانت سببا رئيسيا فى انهيارات البورصة وانعدام الثقة فيها، سواء بسبب عدم الاستقرار السياسى أو بسبب بعض القرارات الاقتصادية العنترية غير المحسوبة التى تعلن عنها من آن لآخر ثم تتراجع عنها ولكن بعدما تحدث انهيارا فى السوق، ولا ينسى أحد الانهيار الكبير الذى شهدته البورصة فى مايو 2008 عندما أعلنت الحكومة نيتها فرض ضرائب على تعاملات البورصة، وهو ما أدى لتراجع السوق بنسبة تجاوزت الـ%15 خلال أسبوع واحد، وهربت مليارات الجنيهات من السوق خوفا من الضرائب الجديدة قبل أن تتراجع الحكومة عن قرارها مرة أخرى، إلا أنها فى 2010 أعادت الكرة نفسها، وأعلنت الحكومة عزمها فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية للشركات المقيدة فى البورصة، وهو ما أحدث نفس التأثير السابق قبل أن تتراجع الحكومة مرة أخرى.. فما هو المطلوب من البورصة لكى تقوم بدور واضح فى دعم اقتصاد السوق؟ وهل البورصة بشكلها الحالى ونظامها قادرة على قيادة اقتصاد جديد أكثر تطورا؟
إسلام عبدالعاطى، المحلل الفنى، قال إن الأزمة الأخيرة كشفت عن أن هناك ضرورة لإعادة النظر فى قوانين الشركات وسوق المال لوضع بنية تشريعية أكثر تناسقا مع معطيات المرحلة الحالية، كما أنها مطالبة بزيادة فاعلية دورها فى توضيح ضوابط حماية صغار المساهمين ودورهم وآليات الحصول على حقوقهم مع مراجعة عدد من البنود القانونية الخاصة بهذه الموضوعات تمهيدا لتعديلها خلال الفترة القريبة القادمة.
كما أن الوضع الحالى يكشف الآن عن ضرورة إعادة صياغة قوانين سوق المال المصرية واللوائح التنفيذية مع ضرورة العمل على توسيع الحالات التى يغطيها قانون سوق المال ليضم جميع الإجراءات التنفيذية لتجنب أن يتم تطبيق إجراءات طبقا لتقدير السلطة الرقابية مع ضمان الحفاظ على المنهج الإصلاحى الحالى لسوق المال المصرية.
ياسر الكمونى، رئيس قسم التحليل الفنى فى شركة نماء لتداول الأوراق المالية، أكد أن أثر القرارات السياسية أصبح واضحا جدا فى البورصة بسبب حساسية البورصة وسوق المال بشكل عام للقرارات السياسية، خصوصا التى ترتبط بمناخ الاستثمار وقضايا رجال الأعمال، لدرجة أنها أصبحت فى كثير من الأحيان أسيرة لبعض القرارات السياسية.
وأضاف الكمونى أن القرارات والأخبار التى صاحبت أزمة «مدينتى» مثلا خلقت قلقا كبيرا وسط المستثمرين الأجانب حتى إن الكثير منهم أحجم من تعاملاته بشكل ملحوظ، وقال الكمونى إن الاستقرار السياسى شرط أساسى لدى المستثمرين الراغبين فى الاستثمار فى أى بلد، وهو مؤشر مهم بالنسبة لهم لدخول سوق معينة أو الخروج منها، ومما لا شك فيه أن هناك قرارات سياسية وأوضاع سياسية غير مستقرة قد تجعل المستثمرين الأجانب يقررون الخروج من السوق.
ولفت الكمونى إلى أن السوق المصرية حاليا لا يتمتع باستقرار سياسى، سواء على مستوى القوانين المنظمة للاستثمار وعلاقات رجال الأعمال الكبار بالسوق أو على مستوى القرار السياسى بشكل عام، وهو ما جعل البورصة عرضة لأى هزات عند رجال الأعمال وعلاقتهم بالسياسة فى الأيام الأخيرة.
ومن جانبه، قال محسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، إن التعديل المطلوب من الضرورى أن تستوعب البورصة المصرية تغيرات مطلوب إحداثها خلال الفترة الحالية، ليس فقط على المستوى الفنى والقانونى، ولكن على أساس آليات ونظم العمل، فمن الأهمية البدء فى إجراء تغييرات جوهرية فى سوق المال من خلال إنشاء مؤسسات ذاتية التنظيم SRO لكل نشاط بسوق المال المصرية فهذا النظام يعمل به فى الولايات المتحدة الأمريكية، والفكرة التى تقوم عليها هذه المؤسسات أن يتم إنشاء مؤسسة لكل نشاط على سبيل المثال «السمسرة – إدارة المحافظ – استثمار مباشر – علاقات المستثمرين – إدارة الصناديق» تخضع لرقابة الهيئة العامة للرقابة فيما يتمثل دور هذه المؤسسات ذاتية التنظيم فى منح التراخيص للعاملين والرقابة عليهم وتنظيم العمل، وتكون هذه المؤسسات مكونة من العاملين فى المجال نفسه، حيث إنهم أكثر قدرة على التنظيم مع التأكيد على أن إنشاء مثل هذه المنظمات سيؤدى إلى حل أى جدل حول مسألة تضارب المصالح بين العاملين فى الجهات التنظيمية والرقابية، كما أنه من شأنه أن يعطى مساحة أكبر للبورصة والهيئة للقيام بدورها فى عمليات الرقابة والتفتيش على مؤسسات السوق.
والفترة الحالية تستلزم وضع منهج إفصاحى جديد بالنسبة للشركات المتداولة بالبورصة المصرية، فالفترة الحالية تستلزم تعديل البنود الخاصة بالجزاءات التى يتم تطبيقها على الشركات المقيدة، خاصة أن النظام الحالى لا يتيح متسعا من الإجراءات للتعامل مع الإجراءات المختلفة، فمثلا عملية إيقاف التداول على أسهم الشركة لمخالفتها يصاحبه تضرر المساهمين فى حين لا توجد أمام الرقيب بدائل أخرى أقل حدة لمعاقبة الشركات المخالفة، لذلك فمن الأهمية تدرج العقوبات بحيث يتم إنذار الشركات أو اتخاذ إجراءات تصحيحية ضدها أو حتى تطبيق جزاءات مالية على العاملين أو أصحاب الشركة أنفسهم قبل إيقاف الأسهم.
«مؤشر البورصة» الحائر بين استثمارات ضائعة وقوانين بالية.. محللون: البورصة لن تدعم «اقتصاد السوق» إلا بـ«القضاء على المضاربات».. وزيادة الإفصاح.. واستقلالها عن الحكومة
الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011 05:13 م
البورصة المصرية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة