كانت الليلة الرابعة من الدورة الـ8 لمهرجان دبى السينمائى الدولى ليلة مصرية، حيث تنوعت العروض التى شاهدها رواد المهرجان أمس، ما بين أفلام مصرية روائية "واحد صحيح" فى عرضه الأول وتسجيلية طويلة "مولود فى 25 يناير لأحمد رشوان"، وستو "زاد لهبة يسرى" أو أفلام أخرى عن مصر "فيلم نصف ثورة للمخرجين، عمر الشرقاوى وكريم الحكيم.. وهى الأفلام التى حرص عدد كبير من مرتادى المهرجان على حضورها للتعرف أكثر على الثورة المصرية، وما وصلت إليه الأمور من تطورات على أرض الواقع.
وجاءت البداية مع فيلم "نصف ثورة" للفلسطينى عمر الشرقاوى وكريم الحكيم، والفيلم يرصد من خلال رؤية ذكية ولقطات مميزة الأحداث التى شهدتها مصر منذ يوم 25 يناير وصولا إلى الرابع من فبراير وقبل تنحى الرئيس السابق بأسبوع.
عن تجربة المخرجين ومشاركتهما فى الحدث وقيامهم بتصوير الأحداث التى تجرى من حولهم، وجاء البناء فى الفيلم متعدد المستويات، فهناك العين التى ترصد ما يدور حولها، والمستوى الثانى هو المناقشات التى كانت تدور فى منزل الأسرة حول تطورات الأوضاع، ورؤيتهم لما يحدث فى الشارع المصرى، وردود الأفعال عليه، وأيضا على مستوى التواصل مع عائلات وأصدقاء فريق عمل الفيلم والذين يعيشون بدول مختلفة، ويبدو لى أن الأفلام التسجيلية التى تتناول ثورة 25 يناير تعانى مأزقا حقيقيا يتعلق بزاوية الطرح ووجهة النظر فى الأحداث وأيضا تكرار المشاهد، واللقطات والتى تبدو متشابهة بل واحدة فى بعض الأحيان وفى الكثير من الأفلام، ولكن فيلم نصف ثورة نجا من هذا المأزق إلى حد ما، حيث تميزت اللقطات التى بنى عليها الفيلم، بل حمل الفيلم لقطات مفاجئة، وهى لقطة نادرة بالنسبة للكثيرين التقطها كريم وعمر لعربة من عربات الجيب والتى تخص الجيش وهى تدهس متظاهرين، مساء جمعة الغضب، وهى اللقطة التى استوقفت الكثير من الحضور وتساءلوا حولها فى الندوة التى عقدت بعد الفيلم.
ورغم أن الكثيرين منا دخلوا إلى الفيلم وهم محملون بخاطر واحد وهو أن عنوان الفيلم يركز على اختطاف الثورة المصرية ويصفها بأنها نصف ثورة، ولم تكتمل، إلا أن مخرجا الفيلم واللذين هربا من مصر بعد القبض عليهما ثم إطلاق سراحهما من قبل الأمن، وتعرضا للكثير من المضايقات لأنهما غير مصريين، وهى الظروف التى اضطرتهم للهرب مع الأسرة، ولم يستكملا تصوير مشاهد الثورة المصرية حتى لحظة التنحى، لذلك جاءت نهاية الفيلم والذى يعد تجربة مختلفة وتحمل الكثير من نقاط التميز مليئة بالتساؤلات، والتأكيد على أن الثورة ما تزال مستمرة.
ومن نفس المنطق المحمل بالتساؤلات، جاء فيلم المخرج أحمد راشوان "مولود فى 25 يناير" والذى عرض فى العاشرة من مساء أمس بمول الإمارات، حيث اختار رشوان بناء سرديا مختلفا لفيلمه وكان هو بشخصه جزءا فاعلا ويقوم بطرح الأسئلة فى الفيلم، وأيضا رصد للعديد من المظاهر التى شكلت مقدمات لثورة 25 يناير، من خلال لقطات أرشيفية لعناوين الجرائد والصحف والمواقع الإلكترونية، والتى حملت عناوين تدين الظلم، وتزوير الانتخابات وفساد الحياة السياسية، ولقطات أخرى من تظاهرات واحتجاجات حركة كفاية والتى شكلت حجرا حرك المياه الراكدة فى السياسية المصرية، وهو ما جعل بناء الفيلم مختلفا عن أفلام أخرى تناولت الحدث وتشابهت بداياتها فى اختيار لقطات من تظاهرات 25 يناير، وأعتمد رشوان إلى حد كبير على التعليق الصوتى "بصوته"، ليرصد ويطرح تساؤلاته وتخوفاته، وشعوره بأن مظاهرات 25 يناير لن تختلف عن سابقاتها وسيقوم الأمن بفضها، لذلك اختار هو فى هذا اليوم أن يتحول إلى مناضل إلكترونى على حد وصفه، وكنت أتمنى أن ينوع رشوان فى وجهات النظر دون الاعتماد على تواجده هو فقط سواء من خلال الصورة مشاهده وهو يجلس فى منزله يدخل إلى سيارته يدخل إلى التحرير أو يجلس إلى المقاهى وسط أصدقائه، حيث كان حاضرا بكثافة رغم أنه كانت أمامه فرصة التسجيل مع العديدين، إضافة إلى تعليقه الصوتى طوال مشاهد الفيلم الصوت، كما أن فيلم مولود فى 25 يناير والذى أهداه مخرجه إلى روح الشهيدين مينا دانيال وأحمد بسيونى، والذى جاءت نهايته راصده لحجم التخوفات التى أصبحت تحكمنا وإصرار البعض على مدنية الدولة، فى مقابل صعود الإسلاميين والتساؤل حول المجلس العسكرى ودوره، حيث إن فيلم مولود فى 25 يناير قد يكون هو الفيلم الوحيد حتى الآن الذى رصد بعض من تداعيات ما بعد التنحى والمليونيات التى أقيمت بعد ذلك وكنت أتمنى أن يكثف رشوان من المشاهد الأولى لمظاهرات 25 يناير وجمعة الغضب وما فى التحرير فى الأيام التى تلت جمعة الغضب والمشاهد التى أعاد تصويرها لنفسه فى منزله لصالح ما وصلنا إليه الآن وتخوفاتنا وتساؤلاتنا حول مصر والى أين تصير الأمور، إلا أن فيلم رشوان ورغم الاختلاف فى الرؤية حول بعض التفاصيل وشكل البناء السردى يظل واحدا من الأفلام الجيدة والمختلفة عن الأحداث التى تمر بها مصر ويحمل مجهودا وذكاء فى اختيار الكثير من لقطاته والمواد الأرشيفية.
وبعيدا عن ميدان التحرير والثورة المصرية جاء فيلم المخرجة هبة يسرى "ستو زاد "أول عشق "، وهو من الأفلام التسجيلية الممتعة والتى تحمل دفئا إنسانيا وانفعاليا، حيث تروى هبة من خلال الفيلم علاقتها المميزة والفاعلة فى حياتها مع جدتها المطربة صاحبة الصوت القوى والمميز شهر زاد، وأيضا صاحبة الشخصية القوية والتى تأسر من يقترب منها، والفيلم ليس سيرة ذاتية عن شهر زاد المطربة التى اشتهرت فى الخمسينات من هذا القرن ولحن لها كبار الملحنين ومنهم بليغ حمدى ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطى، والتى كتب عنها الرئيس الراحل السادات فى كتابه صفحات مجهولة، ووصفا بمطربة الثورة الشجاعة، والتى غنت يوم 23 يوليو فى حفل للجيش بعد اعتذار المطربة أم كلثوم خوفا من فشل الثورة وغضب القصر، ولكنه فيلم عن أصالة تلك الإنسانة وارتباطها الشديد بأسرتها وأحفادها وقصة حبها المميزة مع وزجها، وأيضا فيلم عن التناقضات التى بات المجتمع المصرى يعانى منها حيث تلقى هبة الضوء على تلك الازدواجية من خلال شخصية والدها "يسرى" والذى أنه من المفترض قد نشأ فى أسرة فنية وكان يعزف فى فترة وراء العديد من المطربين إلا أنه يرى وبجمل واضحة أن المرأة مكانها المنزل ومن الممكن أن تتعلم إلى أن تتزوج، وهى القناعة التى تعاندها ابنته والتى عملت أيضا فى مجال الفن وهو ما يذكره دائما بعقدة أن والدته كانت نجمة مشهورة، وأجادت هبة توظيف ما تيسر لها من أرشيف جدتها من صور وتسجيلات صوتية وفيديو، وأضفى حوارها مع المطربة الكبيرة سحراً خاصاً، خصوصا وأن شهرزاد رغم تقدمها فى العمر بدت متأنقة وشديدة العفوية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة