قد لا أتفق مع حالة الفزع التى بثها البعض من استحواذ التيارات الدينية الإسلامية على أكثر من 60% من مقاعد البرلمان فى المرحلة الأولى، وهى أغلبية تكلمنا باسم الدين عن الماضى الذهبى، والسلف الصالح، كما لو أن هذا الماضى هو مستقبلنا الذى يجب أن نعود إليه، مع أن هذه العودة لم تحدث فى تاريخ الإنسان منذ بدء الخليقة وإلى الآن، فهل اكتشفوا قانونا للحياة مختلفا عما درج عليه البشر من أيام سيدنا آدم؟!، وما هى التجربة الإنسانية التى حدثت واسترجع أصحابها تجارب السلف وعاشوا فيها، حتى يثبتوا لنا صحة ما يقولون؟!، فالأمويون مثلاً لم يقلدوا الخلفاء الراشدين، ولا العباسيين مشوا على خطى الأمويين، ومع هذا صنعوا معا كل التقدم المقرون باسم الحضارة الإسلامية.
وإذا كان هذا هو الحال.. فلماذا لم يصبنا الفزع كما أصاب البعض ونحن مهددون بالعودة المستحيلة إلى الماضى؟!
عدم الفزع له سببان رئيسيان..
أولاً: إن الإخوان المسلمين هم أصحاب النصيب الأوفر فى فوز التيار الدينى، تقريبا ضعف السلفيين، والإخوان أكثر وعياً وفهما للعبة السياسية ودهاليزها وتوازناتها، وأتصور أنهم سيلعبون دوراً مهماً فى سد الهوة الواسعة بين الدولة الديمقراطية الحديثة المنتمية إلى زمانها والدولة الدينية المستحدثة المستمدة من الماضى، فالإخوان لن يستطيعوا تحمل أفكار السلفيين المتشددة طويلاً، وللعلم، السلفيون أكثر براءة ووضوحاً، وسوف يدافع الإخوان عن مدنية الدولة مهما مالت تصريحات بعضهم إلى الغلو والتزمت، والدعاية الدينية لكسب أصوات البسطاء.
والخلاف بين الإخوان والسلفيين قادم قادم، كما أن الصدام بين الإخوان والمجلس العسكرى قادم لا محالة.. وهذه الخلافات سترج المجتمع رجا عنيفا وتعيد فرزه مرة أخرى بشكل مختلف.. فكرياً ونفسياً وسياسياً!
فى الوقت نفسه هذا برلمان قصير العمر أو ولد ليموت مبكراً، ولن يعيش مدته الدستورية لأسباب كثيرة بعضها «حتمى»، وهو معرض للحل بعد انتخاب رئيس الجمهورية والاستفتاء على الدستور الجديد.
ثانياً: معرفة الإجابة عن تساؤل بديهى: كيف فاز التيار الدينى بكل هذه الأصوات فى انتخابات نزيهة، وأعاد لنا تجربة الحزب الوطنى الذى كان يفوز بالتزوير؟! أقصد هل كانت النتيجة مفاجأة، أم طبيعية ومتوقعة؟!
أظن أن النتيجة طبيعية للغاية، فلا أحزاب حقيقية ولا تيارات سياسية لها تاريخ يصل إلى نصف تاريخ وخبرات الإخوان المسلمين، فهم تيار عمره أكثر من 83 عاماً، بينما أقرب الأحزاب إليه: التجمع والوفد عمرهما لا يتجاوز 33 عاماً، أى أن فارق العمر بينهما 50 سنة من العمل العام والتعايش مع الناس ومشكلاتهم، وهذا زمن طويل جداً فى مجتمع بلا تقاليد مترسخة فى الديمقراطية والحريات العامة، مجتمع على باب الله وهو ينتقل من الطغيان إلى التعددية!
باختصار لم تكن هناك منافسة فعلية بين الأخوان والتيارات السياسية غير الدينية، كانت مباراة نتيجتها محسومة قبل أن تبدأ، خاصة مع وجود أحزاب وليدة لم تتح لها الفرصة ولا التمويل ولا الوقت لتكتسب بعض القوة والصلابة والشعبية، وأيضاً مع الأداء الضعيف لحزب الوفد الذى تنكر لتاريخه فى خطأ سياسى فادح، حين أعلن أنه ليس حزباً دينياً ولا علمانياً، فبدا بلا هوية ولا مصداقية.
وبالرغم من هذا حصل الإخوان على 40% فقط من أصوات الناخبين، وكانت الظروف تؤهلهم لنسبة أعلى كثيراً.
لكن يبقى السؤال: كيف حصل حزب النور السلفى وهو كيان جديد تماماً على أكثر من 20% من عدد الأصوات؟
لأن السلفيين موجودون فى الشارع من وقت طويل، ولهم أنشطة اجتماعية متميزة فى رعاية اليتيم ومساعدة المرأة المعيلة ودعم الفقراء.. إلخ، كما أن عدد المنتمين إلى الفكر السلفى يقدر ببضعة ملايين.
وأتصور أن نسبة الأربعين فى المائة تقريبا التى حصلت عليها التيارات غير الدينية هى نجاح عظيم فى ظل هذه الظروف المعقدة، وأخطرها حالة الارتباك والفوضى والإضرابات التى تضرب الناس وهم يبحثون عن خرم إبرة يمرون منه إلى الاستقرار.
وهذه ظروف لن تتكرر مرة ثانية!
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر
لا احد يقدر
عدد الردود 0
بواسطة:
salwa
Democracy - That is our choice
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام عبد الحفيظ
عودة الحقبة الاولى