وانتهت أولى مراحل الانتخابات يا سادة يا كرام.. وظهرت النتائج.. لم يفز من فاز ولم يخسر من خسر كأشخاص أو كأحزاب، وإنما فاز الشعب؛ فاز بخروجه لأول مرة، معبراً عن رأيه، كاسراً حالة الصمت التى ارتكن إليها لعقود من الزمن.. أما من خسر، فهو كل من لم يتقبل النتيجة أياً كانت.
تلك النتائج المرحلية التى بمجرد إعلانها اجتاحت أرجاء الشبكات العنكبوتية موجة من الغرور والتعالى والوعيد بمزيد من الاجتياح والاكتساح فى المراحل المتبقية من قبل أنصار المرشحين الفائزين، يقابلها على الجانب الآخر موجة من النكات والتبريرات والتصورات المستقبلية القاتمة من قبل أنصار من خسروا، معللين ذلك بجهل الشعب المصرى، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق.
غاب عن الجميع حقيقة لا يجب إغفالها.. سأشرحها فى مثال:
لو أن دائرة إجمالى عدد الأصوات فيها 100 ألف صوت وفاز بمقعدها مرشح قائمة "الحرية والعدالة" بـ50 ألف صوت.. سيذكر الإعلام مستقبلاً أن هذه الدائرة تنتمى جغرافياً لحزب "الحرية والعدالة" أو الإخوان المسلمين.. إلا أن هذا ليس صحيحاً.. لأنهم فى هذه الحالة يكونون قد أغفلوا وجود 50 ألف صوت آخر لم يعطوا لهذا التيار – حتى وإن توزعت هذه الأصوات على أكثر من مرشح _، لذا فعلى المرشح الفائز أن يدرك تماماً هذه الحقيقة - أن ما يقرب من نصف سكان دائرته لم يكونوا مقتنعين به أوببرنامجه الانتخابى-، مما يضعه فى موقف لايحسد عليه - موقف يحتم عليه بذل أقصى جهده، كى يكسب تلك الأصوات التى أصبح مسئولاً عن خدمتها.. فإن أصاب انضم إليه ناخبون أكثر وإن أخفق فسينضم هو أيضاً لاحقاً لركب الخاسرين.
ولمن فاز أبعث برسالة صغيرة.. هى مقتطف من خطاب الفاروق عمر، رضى الله عنه:
"ثم إنى وليت أموركم أيها الناس، فاعلموا أن تلك الشدة قد أُضعفت، وأنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدى على المسلمين، فأما أهل السلامة والدين والقصد، فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحداً يظلم أحداً أو يتعدى عليه حتى أضع خده على الأرض، وأضع قدمى على الخد الآخر حتى يذعن بالحق، وإنى بعد شدتى تلك أضع خدى على الأرض لأهل العفاف وأهل الكفاف".
ومن منطلق التفاؤل والاستبشار خيراً نتمنى أن يثبت التيار الاسلامى- الذى حظى بنصيب الأسد من عدد المقاعد فى البرلمان– أنه "بالفعل" أهل لحمل تلك الأمانة والغمة، وليعمل بمنهج رسولنا الكريم، عليه أفضل الصلاة والسلام.. وإلا لن يصبر عليهم أحد.. وسيخرج عليهم من منحوهم أصواتهم قبل غيرهم.. اتقوا الله وراعوا ضمائركم.. وتواضعوا لله وكونوا مثالاً يُحتذى به.. اهتموا لأمر الناس وافعلوا كثيراً وتحدثوا قليلاً.. لا تتمسكوا بالصغائر وتتركوا الكبائر.. واعلموا أنكم نواب أُمة بأكملها ولستم نواب مؤيديكم فقط.. وتذكروا أن الملك لله وحده.. وأنكم بالأمس القريب فقط كنتم تلعبون أدوار الكومبارس وغيركم كان فى الصدارة.. فإن تكبرتم سيأتى من يُحمله الشعب الأمانه من بعدكم.. فالحمل غُمة ولن يكون نعمة.
كما أوجه رسالة أيضاً لمن لم يحالفه التوفيق.. رسالة تفوح منها رائحة العمل والصبر:
اتركوا الخوف والنحيب خلف ظهوركم من أجل مصر.. فلم يعد هناك وقت لذلك.. فالبرلمان قادم على الأبواب ولو بعد سنوات.. وكل دقيقة تمر بدون عمل تخسرون ويخسر معكم الوطن.. فاصبروا واجتهدوا واعملوا.. كى تكونوا مثالاً يحتذى به إن أصبتم وأخفق الآخرون.. وعوا الدرس المستفاد جيداً بأنه يفوز من كان أكثر تنظيماً وأكثر قواعد.. فاعملوا على ذلك، ولا تتخلوا عن مقاعد المعارضة - حصن الشعب وصوته ضد استبداد الأغلبية – فإنكم إن تنازلتم عنها عدنا لحكم الطاغوت.. دعموا مبادئكم واصنعوا قواعدكم وانزلوا للناس.. اعملوا عندهم ومعهم ولو بدون مقاعد برلمانية.. فمن يعمل للناس الآن بإخلاص.. سيرفعه الناس غداً ليكون صوته بالبرلمان.
لا يغيب عليكم أن عملية الديمقراطية عملية تراكمية.. تتغير وتتطور بمرور السنين.. وكل من شارك فى التجربة الحالية يدرك أننا لسنا أمام برلمان ثورة، ولكننا أمام برلمان "تجريبى" يعبر عن شعب غاب عن الديمقراطية لعقود وعقود.
إن خروج الشارع المصرى بهذه الكثافة يحمل رسالة واضحة وصريحة بأنه يريد وبدون مساومة إنهاء الحكم العسكرى باختياره برلماناً ومن ثم رئيساً للجمهورية.. وكده أعتقد إن الرسالة وصلت.
أما لهؤلاء الذين اتهموا الشعب بالغباء فلدى سؤال: كم مقعداً حصل عليه أى من أعضاء الحزب الوطنى المنحل ولو تحت أى مسمى حزبى آخر؟.
ورسالتى لهذا الشعب العظيم.. شكراً ثم شكراً ثم شكراً