فى أوروبا والدول المتقدمة لا يجعلون الحدث يتجاوزهم أبداً أو حتى يستغرقهم ولا يقفون أمامه مكتوفى الأيدى عاجزين عن التصرف، وإذا لم يكونوا هم صانعو الحدث فإنهم على أقل تقدير يستغلونه اقتصاديا وسياسيا لمنفعة شعوبهم.
أما فى مصر فالحال يختلف قليلاً فقد كنا فى الماضى لا نحب صناعة الحدث أو حتى الاستفادة منه وفى حالات كثيرة حتى الآن للأسف نترك الأمور حتى تستفحل وتتعقد، ثم نكتفى بالبكاء على اللبن المسكوب بعد تجربة حلول أمنية غاشمة كالمعتاد.
ومنذ عشرة شهور كتبت فى هذا المكان مقالًا بعنوان "ميدان التحرير 2020" من أجل تطويره والاستفادة به كمزار سياحى بعد أن اقترحت جريدة الأهرام تحويله إلى حديقة عامة بلا ضوابط!! والآن وبعد أن تفاقمت الأمور وبما أن الميدان بات قبلة دائمة للمتظاهرين والمحتجين، فلابد من تخصيص جانب مناسب منه لهذا الغرض للتعبير بصورة سلمية عن مشاعر الغضب وما أكثرها..! أما أن يترك الميدان هكذا الآن لكى يحمى مداخله بعض البلطجية طوال أيام الأسبوع ويسيطر عليه الباعة الجائلون تحت رعاية ونفوذ المسجلين وأصحاب السوابق ممن يحملون لقب طرف ثالث، وفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة!! فلا أمل إذن فى إعادة الأمن للميدان وحماية الثوار الحقيقيين، ومن يريد منهم التعبير عن غضبه ومشاعره الوطنية فى أمان.
لابد أن تتحرك هيئة تنشيط السياحة مع محافظة القاهرة لإعادة تطوير الميدان فورا وإقامة مقاه ومطاعم مفتوحة على جانبيه ومراسم بأركانه، وتحويل مسار مرور السيارات بوسط القاهرة، وهو أمر يسهل على الداخلية تنفيذه إن أرادت. من خلال إعادة تخطيط الميدان وجعله للمشاة فقط ونقل المصالح الحكومية منه، أما المجمع الشهير والكئيب فى آن واحد فأرى تحويله إلى فندق تستغل الساحة التى أمامه لتكون تراساً واسعاً مرتفعا بعض الشىء بحيث يطل من يجلس به على الميدان بالكامل. وهى فرصة طال انتظارها سنوات طويلة للتخلص من هذا المبنى القبيح من الداخل والخارج. وأضيف أننى لا أرى فائدة من جعله حديقة مفتوحة لأنها ستتحول الى مرتع للعب الكرة وافتراش الحديقة لتناول الأطعمة وباعة جائلين بلا ضوابط.. ورغم تفاؤلى بأننا قد نغير سلوكياتنا فى وقت لاحق، ولكن حفاظا على أنفسنا الآن من سلوكياتنا القديمة أرى أن يعاد التخطيط على النحو السابق بعد الدراسة..!
إن القضاء على الباعة الجائلين لن يكون بالقوة الجبرية وبالتدخل الأمنى مثلما اعتدنا وإلا سيعودون مرة أخرى، بل الحل بتوفيق أوضاعهم ودراسة ظروفهم فمنهم بالتأكيد من ذهب للميدان بحثا عن مصدر رزق بعد أن ضاقت به سبل الحياة الكريمة وهؤلاء يمكن إعادة تأهيلهم وتمليكهم أكشاكا ذات واجهة حضارية لبيع منتجاتهم بصورة صحية متحضرة مع مشاركة فى الربح لفترة حتى يكونوا جادين فى الحفاظ على مكتسباتهم ومصدر رزقهم دون وسيط.!
فى كل دول العالم المتحضرة يستغلون مواقع الأحداث المهمة لجعلها مزارات سياحية تنعش الاقتصاد ونحن فى أمس الحاجة إلى ذلك الآن وقادرون على التنفيذ إذا ما خلصت النوايا من خلال القوات المسلحة وشركة المقاولون العرب واللتين نجحتا فى تنفيذ مشروعات مدنية كثيرة.
إن ميدان التحرير يضم المتحف المصرى وفنادق كبرى ومنطقة تجارية سياحية بقلب القاهرة، بالإضافة إلى مبنى الحزب الوطنى المحترق، والذى يمكن استغلاله كمتحف لثورة يناير بما لها وبما عليها فالتاريخ يجب أن يكون محايدا ولنترك واجهته المتفحمة على حالها شاهدة على حدث جلل سيعيد ترتيب الأوضاع الاجتماعية والسياسية فى مصر لسنوات قادمة.
المهم الآن أن نبدأ وأن نستغل الميدان اقتصاديا وسياحيا لصالحنا جميعا بعيدا عن السياسة ولنفعلها لمرة واحدة لندخل البهجة فى نفوس أرهقت وتوترت عصبيا على مدار شهور طويلة، وضاقت بطرف ثالث بات يسيطر على الميدان ويضفى ظلالا كئيبة على حياتنا ويفرض نفوذه على باعة جائلين وزوار وثائرين باتوا ينفرون حتى من مجرد الاقتراب منه.. والله من وراء القصد.