شهدت مصر فى الأسبوع الماضى حدثين مهمين حملا للرأى العام دلالة واحدة تقول إن النظام القديم مازال قائمًا رغم خلع رئيسه ومعاونيه الأساسيين «أغلبهم وليس جميعهم»، وإن ثورة الشعب فى 25 يناير لم تحقق أهدافها الرئيسية التى لخصتها شعارات الثورة «عيش - حرية - عدالة اجتماعية».
صحيح تم إسقاط دستور 1971 الاستبدادى وتم حل مجلسى الشعب والشورى، وتمت خلال الأسبوع الماضى انتخابات المرحلة الأولى لأول مجلس شعب بعد الثورة، وتشكلت حكومة جديدة أطلق عليها حكومة الإنقاذ الوطنى، ولكن تشكيل هذه الحكومة تحديدًا وانتخابات مجلس الشعب، يشكلان معًا السبب فى القول بأن النظام القديم لم يسقط بعد، وأن الثورة لم تحقق أهدافها.
فبصرف النظر عن شخص رئيس الحكومة «د. كمال الجنزورى»، الذى ينتمى بقوة للنظام القديم، وخدمه طوال ربع قرن ضمن هيئة مستشارى رئيس الجمهورية، وزيرًا ومحافظًا ونائبًا لرئيس الوزراء ورئيسًا للوزراء، ولعبه دورًا مهمّا فى تنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام وتطبيق سياسات الصندوق والبنك الدوليين وهيئة المعونة الأمريكية المعروفة باسم سياسة التثبيت والتكيف الهيكلى، والقائمة على انسحاب الدولة من الاستثمار والتنمية وتوفير الخدمات الأساسية والرهان على القطاع الخاص المحلى والأجنبى.
فتشكيل الحكومة جرى بنفس الطريقة والمنهج السائد طوال ما يزيد على نصف قرن، فالوزراء القدامى والجدد ليسوا سياسيين وإنما ينتمون إلى من نطلق عليهم خبراء وفنيين وتكنوقراطً وموظفين كبارًا، ووجود استثناء يتمثل فى د. جودة عبدالخالق عضو المكتب السياسى لحزب التجمع ومنير فخرى عبدالنور سكرتير عام حزب الوفد «سابقًا» ضمن التشكيل الوزارى الجديد، والسابق لا ينفى القاعدة بل يؤكدها، خاصة أن اختيارهما كان اختيارًا شخصيّا بعيدًا عن الحزب وقبولهما تم بصفة فردية ودون أى تشاور مع حزبيهما.
والوزراء غير السياسيين هم آفة من آفات النظام القديم، فهم فى النهاية لا يستطيعون ولا يملكون صنع سياسة للحكومة، ودورهم مجرد تنفيذ السياسات التى يتم رسمها فى رئاسة الجمهورية «قبل الثورة»، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة «بعد الثورة»، هم باختصار مجرد مديرى مكتب أو سكرتارية لرئاسة الدولة التى تملك فى يدها بنص الدستور «أو الإعلان الدستورى حاليًا» كل السلطات.
والأكثر غرابة فى حكومة د. الجنزورى ما أذاعه فى مؤتمره الصحفى مساء الثلاثاء الماضى من أنه سيكشف اسم وزير الداخلية الجديد أثناء أداء الحكومة اليمين الدستورية أمام رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ليطلق الناس على الوزير الجديد «عفريت العلبة» الذى يظل مخفيّا إلى أن يرفع الغطاء فيقفز من داخل العلبة ويظهر أمام الناس!!
أما انتخابات المرحلة الأولى لمجلس الشعب وما أسفرت عنه من نتائج، سواء بالنسبة للقوائم أو المقاعد الفردية، فقد أسفرت عن فوز كبير لحزبى الحرية والعدالة «الإخوان المسلمين»، والنور «السلفيين»، بما يقطع بأن البرلمان القادم لا يمكن أن يطلق عليه «برلمان الثورة».
فالفائزان طبقًا لبرنامجيهما ومواقفهما المعلنة يسعيان لإقامة دولة دينية «إسلامية» وتصفية الدولة شبه المدنية التى ناضل المصريون لتأسيسها طوال 200 عام وكان ثوار 25 يناير يأملون أن تؤدى الثورة إلى تحول مصر إلى «دولة مدنية وديمقراطية حديثة».
والبرنامج الاقتصادى والاجتماعى لهما يعيد إنتاج نفس سياسات النظام القديم فى الخصخصة وانسحاب الدولة من الإنتاج والاستثمار وترك الأمر كله لفوضى السوق الرأسمالية وللقطاع الخاص، وتهديد النظام المصرفى بالحديث عن نظام مصرفى إسلامى لا أحد يعرف أبعاده وطبيعته، ويعتمد الإحسان والعمل الخيرى للقضاء على الفقر.
واحترام اختيار الناس الذى تم ديمقراطيّا أمر واجب على كل الأحزاب والقوى السياسية، ولكن هذا الاحترام لا ينفى واجبها فى توضيح شرح النتائج المحتملة لهذا الاختيار، ومقاومة أى سلبيات قد تسفر عنها الأيام القادمة.