إن أردت التقرب والتعرف على شخص ما، لا بد وأن تعرف عيوبه ومزاياه، وطموحه ونواياه، وتعلم نقاط ضعفه وأسرار قوته؛ حينها سيكون كتابًا مفتوحًا أمامك تقلب وتطوى أوراقه متى تشاء، وتغترف وتستخلص كما تريد، هذا هو القانون الذى سار على نهجه الغرب نحو الشرق.
من المعلوم أن بداية احتكاك المسلمين مع الغرب كانت فى غزوتى مؤتة وتبوك، ثم توالت الحروب الدينية والسياسية والعسكرية على مختلف العصور، وتبعها احتكاك علمى حينما ازدهرت الحضارة الإسلامية فى الأندلس "أسبانيا"، حيث قام الأوربيون بترجمة كل العلوم فى مختلف المجالات التى لوحظ فيها براعة ومهارة المسلمين، وبعد ذلك تراخت الأسلحة وتنازلت عن مهامِّها، لكى تفسح المجال لنوع جديد، وهو أن يهتم رجال منهم بدارسة الدين الإسلامى وأحوال الشرق فى كل النواحى الاجتماعية والسياسية، والعادات والتقاليد؛ ولهذا سُمِّى بالاستشراق، لأنه تيار اتجه لتعلُّم الدين والأفكار الإسلامية، ليس بغرض البحث عن الحقيقة فى العقيدة ولكن بدافع المحق والتشويه.
الاستشراق بدأ بدافع التعصُّب فى الكتابة عن الإسلام؛ وذلك بغرض الإساءة والتشويه، وفى عام 1300 هجريًا أخذ يسلك مسلكَ التجرُّد من العصبية، لكى يدسَّ السم فى العسل، فقام بإنشاء مدارس لتعليم اللغات والحضارة الشرقية، لكى يصلوا إلى أغراضهم التى كان أولها أن يزودوا السلطات الاستعمارية بباحثين وخبراء فى المجال الإسلامى، والآخر أن يقوموا بتسويقها أمام طلاب المسلمين لكى يخضعوا أمام أفكارهم، ويتسللوا من خلالهم للدخول إلى المنظمات العلمية فى الدول الإسلامية.
يقول المستشرق جولد تسيهر فى كتابه "العقيدة والشريعة": "من العسير أن نستخلص من القرآن عقيدةً ومذهبًا موحدًا خاليًا من المتناقضات، فالتوحيد مذهب ينطوى على النقائض العسيرة، أما التثليث فهو مذهب واضح فى فهم الألوهية".
فهل من المعقول أن نصدق ما قاله هذا الخبيث الذى جعل الإسلام جاء بعُسر فى دلالاته وبراهينه فى التوحيد والألوهية الخالصة لله سبحانه وتعالى، على عكس ما جاء فى غيره من ابتداع لا يقرُّ به عقل سليم أو مفكر ذو فطرة سوية؟
وقد ادعى بعض المستشرقين أن محمد - صلَّى الله عليه وسلم - "إنما كان أسقفًا نصرانيًّا طمحت نفسه إلى رتبة فوق رتبته فدخل الجزيرة العربية وادَّعى النبوة".
وقد قالوا بذلك لاعتقادهم أن المسلمين يعبدون محمد – صلَّى الله عليه وسلم – لأنه هو المؤسس لهذه الديانة، لذا فهُم يُطلِقون على المسلمين (المحمديين) وعلى الإسلام (بالديانة المحمدية).
هكذا وضحتُ لك عزيزى القارئ ما بداخلهم، وما قدموه من أكاذيب وافتراءات، بجانب أخطائهم واستنتاجاتهم وجهلهم، وأغراضهم التى تتمثَّل فى بلبلة الأفكار، وإخضاع النصوص والتحريف لأهوائهم، وصرف المسلمين عن التعلُّم الحقيقى للعلوم الشرعية، والطعن فى كثير من المراجع الإسلامية الصحيحة، وتعظيم وتمجيد محاربى الإسلام وإظهارهم بالتقوى والفلاح والإصلاح؛ ولذلك حرصوا على أن يكون لهم أتباع من أبناء المسلمين يرددون ما ينطق به أساتذتهم، ليفتعلوا بها المعارك الفكرية؛ ولهذا فإن الاستشراق هو أساس لكل شبهة رائجة حولنا فى الابتعاد عن الإسلام، وربما لم نلتفت طوال حياتنا أن نهتم بدارسة الاستشراق من الناحية العلمية بالردود من قبل علمائنا عليهم؛ ولذلك عمد كثير من طلابهم لتوضيح انتهائه وموته، وهذا هو أحد كبار المستشرقين "برنارد لويس" يقول: "إن الاستشراق، أو مصطلح الاستشراق قد ألقى به فى مزابل التاريخ" يؤكدون موته لإقناعنا بهذه الفكرة، لكى لا نقوم بالرجوع إلى فضحهم مرة أخرى كما فعل أسلافنا.
إن الغرب ودعاة أفكاره لابُد وأن يوجَّه لهم نفس القانون الذى وضع فى المقدمة، حينما نعلمهم بإحصائياتهم التى ربما يحاولون تجاهلها، انظروا مثلًا إلى أمريكا وهى مطمع كل المسلمين فى شد الرِّحال إليها للتعلُّم والعمل ماذا بها؟!، مدمنو كحوليات ومخدرات، أولاد السفاح فى كل مكان، وعصابات تدمير وإرهاب، سرقة منازل وقتل واغتصاب وسرقة سيارات، فإذا أجابونا بالحقيقة نضع لهم الحل سريعًا، وقل إنما شفاء صدوركم سيكون بالإسلام، هذا هو الغرب العفن الذى نلهث وراءه ولا ندرى ماذا يريد بنا؟ ولهذا لابُد وأن نتساءل: هل كانت قبل ذلك كل المحرمات التى نراها الآن فى بلاد المسلمين، وما هو المقصد من الإتيان بها لدينا، وماذا عن محاولات إظهار الفجوة بين المسلمين ودينهم، أسئلة كثيرة لا إجابة لها إلا فى معرفة الدين وتعليمه لأبنائنا بطريقة صحيحة.
لابُد أن نعلم أن الأمم الغربية عرفت مكانة الفكر والعلم فى وقت مبكر فوجدوا ضالتهم لدينا، فبدؤوا بتجريدنا من شىء فشىء، حتى يقوموا هم بارتدائه، لكى نظن نهايةً أنهم هم الأفضل والأقوى، رغم أننا من سربلهم، ولذلك لا بُد أن نعى خطر هذا الاستشراق الحديث، وربما بعض الناس لا يشعرون به ولا يرونه، لأنه ميكروب دقيق، سارق لمعانى الأخلاق لا يُرَى بالعين المجردة، فلذلك لا بُد وأن نميل مرة أخرى وننظر إلى الصراط المستقيم دون اعوجاج غربى، وأن نسعى إلى تمكين ديننا فى كل مكان كان، وأن نعدَّ لهم ما استطعنا من قوة، وأن ننهض بحضارتنا كما كان الأوائل، بأن نأكل مما نزرع، ونلبس مما نحيك، وندافع عن أنفسنا بأسلحة نصنعها بأيدينا، وأن نعرف أن الهوية العربية الإسلامية هى القائدة والباقية، وأن نربى أبناءنا وبناتِنا على الاعتزاز بالإسلام وبرموزه وبمن يدافع عنه، وأن يحمل نصب الدعوة من صغره لكى يصبح عالمًا حينما يكون على مشارف حياته، كما كان السلف مع أولادهم.
لقد آن الأوان أن نقوى مدارسنا، وأن نستغنى عن الجامعات الأجنبية، ما المانع أن يدرس الطفل المواد الشرعية بجانب النظرية كما فى الأزهر؟ بتربية الطفل من صغره على القرآن سيصبح من كبار القادة فى الكبر، عزيزى ولى الأمر لا تستصعب على طفلك شيئًا لا تعلمه فربما سيكون ذلك هو ما كان يتمناه نجلك، وهل من مسلم على بقاع الأرض لا يريد أن يعرف دينه؟ اعلموا أننا لسنا بدعاة انغلاق، ولكن نحترم هويتنا وقيمنا الثابتة، إن الأمم الأخرى لديها ما يقوى تمسُّكها بدينها وأخلاقها، انظر إلى ما فعلته فرنسا فى إعلان المجلس التشريعى بمعاقبة من يستخدم ألفاظًا أجنبية وهو يجد فى الفرنسية بديلًا، فمن أولى بهذا الأمر؟!!
حينما نشعر فى قلوبنا أن الثغرات ذات الروائح الكريهة مفتَّحة، فلا بُد من إغلاقها والمداومة على حراستها، وأن نطيِّب رائحتها مرةً أخرى بقرآننا وسنتنا ولغتنا، هذا هو النصر المُبين لدين رب العالمين.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
ربنا يحفظ الاسلام
بجد مقال رائع ربنا يبارك فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
سمير ابو السعود /البحيرة
المستشرقين والاسلام
عدد الردود 0
بواسطة:
رحمه
بارك الله فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب مصدر السلطات
أيوة كدا يا يوم يا سااااابع انصر الاسلام
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
khaled
تدريس الشريعه في المدارس ؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب مصدر السلطات
الكاتب القدير و شكراً لليوم السابع
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن
أهلا وسهلا
عدد الردود 0
بواسطة:
Miloud AFOULOUS
الاستشراق
عدد الردود 0
بواسطة:
نادر حبيب
جزاك الله خيرا على هذا المقال
عدد الردود 0
بواسطة:
علمانى
الى الكاتب