فى الثلاثين من أكتوبر المنصرم، نشرت صحيفة "اندبندنت اون صنداى" البريطانية خبرا، حول مطالبة الحكومة البريطانية مصر بدفع ديون مستحقة على نظام حسنى مبارك قيمتها 100 مليون جنيه استرلينى كانت مخصصة لشراء أسلحة من بريطانيا. المثير أن الخبر مر علينا مرور الكرام ولم يستوقفنا، وتابعنا السير بدروب لا تخدم الوطن ومستقبله الملبد بغيوم الخلاف والانشقاق بين القوى السياسية مع أنه لو كانت النيات خالصة ومهيأة للعمل للصالح العام وليس الشخصى، لكنا اتخذنا موقفا مغايرا يعبر عن امتعاضنا من محاولة لندن الضغط على القاهرة وابتزازها فى وقت تعلم فيه أنها فى أضعف حالاتها واقتصادها ليس قويا بدرجة تمكنه من الوفاء بالتزامات عديدة.
من ناحيتى، أكاد أجزم بان بريطانيا ـ بدون أن تدرى ـ قدمت لمصر هدية ثمينة بطلبها رد أموال أخذها مبارك، الذى أسقط نظامه الشعب المصرى، فالحكومة المصرية كان عليها التصرف بشكل يبين أنها تفطن للكنز المصرى المنسى والمسكوت عنه لدى البريطانيين منذ عهد بعيد. فقد انتظرت مع غيرى أن يبادر رئيس مجلس الوزراء الدكتور عصام شرف بالرد على الطلب البريطانى بأنه يتعين التحقيق فى الموضوع، لمعرفة كيف تصرف النظام السابق فى هذه الأموال، وتذكير البريطانيين بوعدهم الوقوف لجوار الثورة المصرية ومساعدة مصر على عبور المرحلة الانتقالية بأمان وليس لى ذراعها، من الآخر كنت أتوقع ردا قويا.
بعدها تعلن حكومة شرف عن فتح ملف ديون بريطانيا لمصر، نعم بريطانيا مدينة لبلادنا بما قد لا يتصوره عقل الكثيرين، فخلال الحرب العالمية الثانية ـ 1939 ـ 1945 ـ استدانت بريطانيا العظمى آنذاك ثلاثة ملايين جنيه استرلينى من أموال الشعب المصرى. وعقب انتصارها فى الحرب لم تدفع دينها المستحق، والذى قفز حاليا إلى 29 مليار دولار أمريكى، إذا حسبنا الفوائد، وعثر الدكتور أشرف صبرى استشارى طب الأعماق وحوادث الغوص، على وثيقة فى الأرشيف الملكى البريطانى تثبت اقتراض مبلغ ثلاثة ملايين جنيه استرلينى، والمنطق يقول: إن كان البريطانيون يبحثون عن استرداد حقوقهم، فنحن أيضا نرغب فى استعادة حقنا، فتلك أموال المصريين ولا يجوز ولا يصح التفريط فيها، مهما كانت الحجج والأعذار. وأن اعتقدت أن حد القضية ينتهى عند مبلغ الثلاثة ملايين جنيه استرلينى، فستقع فى خطأ جسيم، فمن حق مصر وواجبها أن تطالب بتعويضات عن 73 عاما احتلت فيها بريطانيا بلادنا، واستفادت من ثرواتنا الطبيعية بلا حدود، بالإضافة إلى احتكارها مع حلفائها عوائد قناة السويس لعقود، إلى حين صدور قرار تأميمها من قبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى 1956. أن المطالبة بهذا الحق لا تسقط بالتقادم، وأذكر الجميع بما تحصل عليه إسرائيل حتى الآن من تعويضات من بلدان أوروبية اتهمتها باضطهاد اليهود ومصادرة أملاكهم إبان الحرب العالمية الثانية، وأذكركم أيضا بأن اليابان التى احتلت شبة الجزيرة الكورية منذ 1910 حتى 1945 دفعت تعويضات لكوريا الجنوبية كجزء من شروط تطبيع العلاقات بين سول وطوكيو منتصف الستينات من القرن العشرين، وفعلت نفس الشىء مع الصين أواخر سبعينيات القرن الماضى، واعتذرت عن احتلالها من 1937 حتى 1945. ولدينا نماذج لا حصر لها تخدم مطالبتنا بتعويضات من بريطانيا، وأوكد أن هذا ليس ابتزازا، لكنه ترسيخ لمبدأ عدم التهاون فى تحصيل حقوق المصريين فى أى مكان وزمان، وليتنا نرتب أوراقنا جيدا ونمنحها زخما شعبيا، أن مصر ثورة الخامس والعشرين من يناير يجب إن تؤكد عمليا أنها قامت حفاظا على كرامة المصرى وحقه ولن تفرط فى كنوزنا المنسية فى الخارج.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
تامر أبو الخير
هو اللي بيروح بيرجع
عدد الردود 0
بواسطة:
سينا
والقذافى اخد تعويض من ايطاليا