عندما كان البعض متخوفا من نوايا المجلس العسكرى لم يكن هذا من فراغ أو مجرد توجس بدون أساس، فمنذ البداية والمجلس العسكرى لا ينفذ سوى أقل القليل من مطالب الثورة، وبعد الكثير والكثير من الضغط، وها نحن الآن نرى انتخابات مجلس الشعب وقد ترشح لها جميع فلول الحزب الوطنى الذين كان لهم دور رئيسى فى إفساد الحياة السياسية فى مصر طوال 30 عاما وكأن لم تحدث ثورة.
وما زال المجلس العسكرى ينتهج نفس منهج مبارك فى التعامل مع الأزمات الداخلية، وأيضا فى العلاقات الدولية بالابتعاد عن حلفاء فى المنطقة لنزداد قوة ببعضنا البعض والاقتراب أكثر من الولايات المتحدة التى تعطى تمويلا عسكريا سنويا بمقدار 1,3 مليار دولار، ثم اتهام النشطاء السياسيين وكل من كان له دور فى إشعال الثورة بالعمالة والخيانة وكأن مبارك لا يزال يحكم.
ولا يخفى على أحد أنه توجد مباركة أمريكية مطلقة لكل ما يقوم به المجلس العسكرى، فهو من وجهة نظرهم الحامى للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، وقد طالعتنا منذ أيام أخبار الوثيقة المقترحة للمواد فوق الدستورية التى تمنح المجلس العسكرى صلاحيات غير محدودة واستمرارا للتحكم فى الحياة السياسية فى مصر، وعدم وجود رقابة على ميزانية الإنفاق العسكرى بما يضرب مبادئ الدولة المدنية من الأساس ويعيدنا للحكم العسكرى.
ومنذ أيام حدثت بعض الأحداث التى تدل على استمرار النظام القديم بنفس سياساته، فبعد تحويل بعض النشطاء للمحاكمات العسكرية ومن ضمنهم بعض أعضاء حركة شباب 6 أبريل، تم تحويل الناشط علاء عبدالفتاح للنيابة العسكرية للتحقيق معه ثم حبسه فى مجموعة اتهامات باطلة وملفقة كما كان يحدث فى عهد مبارك.
ولقد تقابلت مع علاء عبدالفتاح مرات عديدة فى مظاهرات حركة كفاية فى 2005 ولكن عرفته عن قرب داخل سجن طرة أثناء قضائنا أكثر من شهرين فى السجن على خلفية اعتصامات القضاة فى 2006 ووجدته إنسانا قمة فى الثقافة والتهذيب والفكر المنظم والأسلوب الراقى والمقنع فى الحوار، وهذا ليس بغريب عنه، وهو من أسرة عريقة مشهورة بالنضال ضد الظلم والفساد والدفاع عن حقوق الإنسان منذ سنوات طويلة، وجميع النشطاء السياسيين فى مصر يعلمون أن كل هذه الاتهامات الباطلة التى تم توجيهها للزميل علاء هى اتهامات لا تتوافق مع طبيعته وأسلوبه، بل هى مرحلة جديدة لتشويه النشطاء السايسيين والانتقام منهم وتصفية كل من كان له دور فى إشعال فتيل الثورة المصرية، وقد بدأت خطة التصفية منذ إطلاق المجلس العسكرى لحملة تشويه ضد حركة 6 أبريل ثم تجاهل التحقيق مع اللواء الروينى فى تصريحاته الشهيرة.
وحتى هذه اللحظة لا يزال مسلسل إفراغ الثورة من مضمونها مستمرا، ولا يزال مخطط إعادة رجال النظام القديم لأماكنهم مستمرا، ولا يزال مسلسل تصفية وتشويه النشطاء مستمرا، ولا تزال المحاكمات العسكرية للمدنيين سيفا مسلطا على رقاب النشطاء السياسيين، وهذا للأسف إن استمر فسوف يؤدى لنتائج وخيمة.