معصوم مرزوق

أوراق مسافرة

الإثنين، 07 نوفمبر 2011 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هأنذا.. معلقًا فى سماء العالم الممتد، بينما قلبى هناك مرشوق فى أرض الفراعنة كوتد..
كأن رحلاتى بجسدى طائرات ورقية مشدودة بحبل صرى إلى أرض الوطن، نعم.. هو العشق الذى يشبه عناق شجرة من الشوك، هو يقظة الوجد وغياب الواحد فى المجموع، هو لحظة التحقق والكشف، ولحظة الالتحام بشمس تضىء ولا تحرق.. هو الكلمات المشرئبة سعيًا إلى خلود لا يطال..
فى الطائرة جلس إلى جوارنا أمريكى كهل، كان فى زيارة إلى مصر بهدف نعنشة عظامه التى بلغت خدمتها 65 عامًا، كان يثرثر طول الوقت خلال الرحلة التى بلغت 12 ساعة.. عبثًا حاولت الإفلات من حكاياته وأسئلته التى لا تنتهى.. ادعيت النوم لكنه لم يعترف أبدًا بأن الأجفان حين تنغلق فإن ذلك يعنى نومًا، حتى عندما تركت المقعد وزعمت أننى ذاهب إلى دورة المياه، واصل حديثه مع.. زوجتى!!..
الأمريكى العادى لا يكاد يعرف ما يحدث خارج الولايات المتحدة، وأحيانًا خارج ولايته، وبعضهم يبدو كنباتات عملاقة لكنها طافية بلا جذور، وهذا الرأى لم يتكون نتيجة لحديث ذلك الكهل أثناء رحلة الطائرة، وإنما محصلة قراءات ولقاءات عديدة..
فى بعض حوارنا قلت للكهل إن أمريكا قدمت للبشرية أهم اختراعين وهما الكمبيوتر والقنبلة الذرية، إلا أنه قال بإصرار إن أهم ما قدمته هو American Dream أو الحلم الأمريكى، وعندما سألته عن مكونات هذا الحلم تحدث الرجل لمدة نصف ساعة لكننى لم أفهم ما يعنيه من هذه الجملة الرشيقة، فربما هو حلم نفسى يحتاج لنفسية خاصة كى يمكن استيعابه، وربما هو مجرد وهم لأن إيقاع الحياة المادية قد بخر الأحلام، وفى الصراع المحتدم من أجل الدولار لا يمكن أن نتصور شخصًا حالـمًا.
والاستنتاج الأول هو أن الأمريكى يؤمن بأنه يعيش فى أحسن دولة فى العالم، وأنه أسعد مجتمع، وأن المستقبل يخفى المزيد من السعادة والرفاهية.
إن النجاح بالنسبة للأمريكى يقاس بمعيار نسبى، فأن تعمل بشكل جيد معناه أن تعمل ما لا يستطيع أحد آخر أن يعمله، أو أفضل مما عملته أنت شخصيّا فى الماضى، والنجاح يعنى الربح، وهذا الربح يفترض وجود منافسة أزلية لابد أن تنتهى بطرف ناجح وطرف خاسر، وأحيانًا يكون التنافس مع الآخرين - وهو أوضح أنواع التنافس - وأحيانًا يكون التنافس مع الذات، وحينذاك يتحول الإنسان نفسه إلى رابح وخاسر فى آن واحد..
للوهلة الأولى تشعر بأن الحرية الفردية فى أمريكا قد وصلت إلى درجة لم تصلها أى دولة أخرى فى العالم، أو التاريخ، لذلك فمن الصعب المحافظة على أى سر فيها، سواء أسرار الدولة العظمى، أو على المستوى الشخصى، ومن نتائج ذلك أمكن للمجتمع الأمريكى أن يواجه مظاهر الفساد، فوجدناه مثلاً يزيح رئيس دولة بعد فضيحة «ووتر جيت»، ويهاجم الحرب فى فييتنام، وينتقد بشدة مظاهر التجاوز فى الأجهزة الأمنية..
أمريكا بالفعل دولة فريدة فى أشياء كثيرة.. فى تاريخها وسياستها واقتصادها وثقافتها وشعبها، بل وفى جغرافيتها، فعلى سبيل المثال لا تقسم أمريكا إلى مناطق جغرافية أو اتجاهات رئيسية فحسب، وإنما تنقسم زمنيّا أيضًا، ففيها أربعة أزمنة فى الوقت نفسه من آلاسكا إلى هاواى، وكذلك أربعة مناطق: الغرب وشمال الشرق والجنوب والشمال المركزى، ومن ناحية السكان فالتنوع أكثر حدة وأشد عمقًا، فمازالت هناك أمريكا البيضاء وأمريكا السوداء، وأمريكا التى تتحدث الإنجليزية، وتلك التى تتحدث اللغة الإسبانية.. هناك أجناس الأرض جميعًا وأديانها المختلفة، حتى أنه يمكن القول ببساطة إن أمريكا هى المتحف المعاصر للإنسان!
وبينما كانت الطائرة تتأهب للهبوط فى مطار ج. ف. كيندى، قال لى جارى الأمريكى وهو يتثاءب: «إن أمريكا أمة عظيمة، لا تستطيع أن تحلم أحلامًا صغيرة»، فقلت له شاردًا: «فعلاً.. الأمم العظيمة لا ينبغى لها أن تحلم أحلامًا صغيرة، أو تتصرف تصرفات صغيرة».
وكان عقلى يسافر تلك اللحظة فى اتجاه عكسى إلى أرض النيل الشامخة التى كانت وستظل علامة بارزة فى تاريخ البشرية.





مشاركة




التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

الانحياز الاعمى لاسرائيل

عدد الردود 0

بواسطة:

زائر

لو كنت مكانك....

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

نرجو ربط الأحزمة

عدد الردود 0

بواسطة:

مزنوق مكبوت موكوس في العشوائيات

امريكا شيكا بيكا

عدد الردود 0

بواسطة:

تامر

فلسفة لا طائل منها

شكلك كان نفسك تبأه مدرس فلسفة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة