لا أحد من البشر مجرم بالفطرة، فكلنا يولد سوىّ الخُلُق ونقى السريرة وسليم القلب، ولكن حال البيئة والأسرة التى يعيش فى ظلها كل منا بعد ولادته هى التى تحدد ملامح حاضرنا ومستقبلنا.
فإذا كانت البيئة هادئة والأسرة طيبة الخُلُق والسمعة وتاريخها مشرف أو على الأقل غير ملوث، كان نبتها طيب ومبشر بالخير، أما إذا كانت البيئة قاسية ومدمرة والأسرة متفككة وسيئة الخلق وبعيدة عن الدين، كان نبتها كذلك إلا من رحم ربى!
ما نعانيه هذه الأيام من شتى صور البلطجة والإجرام فى كل مكان على أرض المحروسة إنما هو نتيجة طبيعية للجهل والفقر والبطالة والقهر والظلم، وغير ذلك من أمور مدمرة ومحبطة عمل النظام الملعون السابق على نشرها وإلصاقها بالمجتمع المصرى كى ينهار، وتزداد فيه الجريمة فيأكل بعضنا بعضا لننشغل بأنفسنا عما هو أهم وأعم وأشمل، وهو الفساد بمختلف صوره الذى كان الشغل الشاغل والهدف الأول والأخير للنظام السابق، كى يستأثر وينهب كل خيرات وثروات ومناصب البلد فى صمت لأطول فترة ممكنة دون أن يحاسبه أحد!
الأمر الذى أدى إلى قتل كل ذرة ولاء وانتماء داخل عقول وقلوب الكثيرين من المصريين، خاصة محدودى الوعى والعلم بالدين وغير الأسوياء منهم، فأصبحوا يعادون المجتمع كله ويتفننون فى إيذائه، مرتكبين جرائم قتل وسرقة واغتصاب فضلاً عن تجارة المخدرات وتعاطيها وممارسة الدعارة وإرهاب وترويع الآمنين وغيرها من الجرائم التى استشرت بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة، والتى امتلأت على أثرها السجون المصرية بمرتكبيها، هذه السجون التى للأسف الشديد لم تساعد هؤلاء المجرمين على تغيير أحوالهم والإصلاح منهم وتأهيلهم، كى يكونوا فعالين ومنتجين ومؤثرين فى المجتمع، بل تخرجهم أكثر جرماً وعداء وكرهاً لمن حولهم، لقسوة معاملتهم التى تصل فى أحيان كثيرة إلى حد التعذيب بمختلف أشكاله، الأمر الذى يجعلنى أتساءل:
لماذا لا يفكر أولو الأمر فى محو أمية وتأهيل المجرمين داخل السجون نفسياً واجتماعياً وتعليمهم أمور دينهم لتمكينهم من التوبة بمساعدة خبراء نفسيين واجتماعيين وعلماء الدين، الذين من الممكن أن يغيروا ويصلحوا من هؤلاء ويحولوهم إلى أناس أسوياء ومنتجين يفيدون أنفسهم ويساعدون فى نهضة مجتمعهم، بدلاً من تركهم هكذا دون استغلال لطاقاتهم وقدراتهم المعطلة التى من الممكن الانتفاع بها، والاستفادة منها، وذلك عن طريق عمل مشروعات صغيرة لهم داخل السجون، ومنحهم رواتب شهرية محفزة، على أن تقوم الدولة بمعاونة منظمات ومؤسسات المجتمع المدنى بتأسيس جمعيات لرعاية هؤلاء، بعد انتهاء فترة عقوبة كل منهم لتدعمهم وتساندهم مادياً ومعنوياً، وتوفر لهم فرص عمل شريفة تغنيهم عن الحرام كى لا يعودوا مرة أخرى للإجرام.
هؤلاء المواطنون ضحايا النظام الملعون السابق الذى رباهم على العنف والبلطجة كى يحاربنا بهم، ويحقق أغراضه الدنيئة والحقيرة عن طريقهم، وهذا ما حدث ويحدث بالفعل.
على أولى الأمر أن يفكروا جدياً فى إنقاذهم وانتشالهم من واقعهم الأليم ارتقاء بالبلد، وحماية للشعب المصرى، وتحسيناً لصورتنا أمام أنفسنا وأمام العالم كله.
هناء المداح تكتب: مكِّنوهم من التوبة يرحمكم الله
الأحد، 06 نوفمبر 2011 06:49 م