قال تعالى فى كتابه الحكيم: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين". بهذه الآية الكريمة نخلد كل يوم إلى النوم قريرى العين، هادئى البال لا يشغلنا فى سكون الليل ووحشته أى ما كان إلا ذكر الله العلى القدير ونعمته علينا وتفضله، نستأنس وحدتنا، ونطرد أشباح الخرافات التى تلوث عقولنا فى نهار أيامنا الطويلة المليئة بالأحداث المفزعة، ونبعد عن أذهاننا قصص الإجرام المروعة التى نتابعها على صفحات الجرائد ونثرثر بها طوال اليوم ويعجز معها العقل تصديق تفاصيلها من هول ما نقرأه أو نسمعه، فباتت مع الوقت الدهشة هى الاستثناء والقاعدة أخذ الأمور على عواهنها، ولم لا.. طالما نحن مؤمنون فى عقيدتنا بأننا آمنون مهما حل علينا من نوائب، فانجرف المجتمع فى تيار الجريمة المنظمة، وأصبحت البلطجة تتصدر المشهد وتوازى شيكاغو الأمريكية فى عنفها وخطورتها، وأصبح الانفلات الأمنى هو السائد والأمن هو الاستثناء.
مصر بلد الأمن والآمان مهما حدث، نتجاوب مع هذه العقيدة الراسخة حين يصيب العقل الشطط ويتجرأ على الواقع، ونختار لأنفسنا فى لحظة يأس الهروب وربما الهجرة إلى غير رجعة من هذا الأمن الزائف، طالما وصل الحال إلى هذه الدرجة من انعدام الآمان الذى نقنع أنفسنا به كذبا حتى نبرر عجزنا وقلة حيلتنا على محاربته ومقاومة تداعياته.
لم تقتصر البلطجة على قطع الطرق ليلا ونهارا والسرقة بالإكراه والتعدى على ممتلكات الآخر طالما أمتلك قوة السلاح وبعضا من كاريزما الإجرام، بل وصل التهديد إلى عقردارنا وبات يهدد حياتنا وحياة أولادنا، ولم يبق شىء آمنا، وطال الرعب المدارس والشوارع والبيوت، لأنك لابد أن تتوقع كل شىء، وأى شىء فى كل لحظة، فلم يعد هناك محظورات ولا أسباب منطقية تبحث عنها وأنت تطالع تفاصيل جريمة هنا أو هناك.
لم يكتف البلطجية والمجرمون بالأساليب المعروفة بممارسة بلطجتهم تحت ستار الليل وظلامه الموحش، بل أصبحت تمارس فى وضح النهار وتطورت أساليبها فأصبح كل مواطن مشروع شهادة لبلطجة هنا أوهناك سواء بالقتل أو الخطف أو التحرش أو الاغتصاب.
حالة الانفلات هذه لم تعد مفهومة إزاء صمت وزارة الداخلية وضعف أدائها فى مكافحة الجريمة، وكأن الشرطة تحاول الانتقام مما جرى لها والفرصة الآن مواتية!
الشرطة التى من واجبها حماية الشعب ومقدراته، عادت لتجاوزاتها، رائحة التعذيب تزكم الأنوف، فهل عادت الشرطة لممارسة نفس الأسلوب القمعى السابق؟ أم أنها لم تتخل عنه من الأصل، فقضية مقتل الطالب الجامعى فى مدينة 6 أكتوبر، وقضية عصام عطا مثالين لغيض من فيض تجاوزات رجال الشرطة التى مازالت مختزنة فى الذاكرة، إنها ثقافة الغطرسة والسادية التى تتجاوز أفق الخيال، وكأن هذا الجهاز لم يستوعب الدرس، واعتبر هبة الشعب ضد تجاوزاته خطيئة لابد من العقاب عليها، وبدلا من أخذ العبر وتهذيب وتقنين هذه التجاوزات، ازداد الإحساس بالتعالى والرغبة فى معاقبة الشعب، حتى لا يشعر بالأمان ويترحم على أيام زمان.. والذى كان مهما كان بغيضا ومأساويا وتجرعنا منه كأس العذاب والرعب!!
لقد رصدت صحيفة فاينينشال تايمز البريطانية تأثير حالة انعدام الأمن على قطاع الأعمال فى البلاد وهو قطاع حيوى مهم لاقتصاد بات على حافة الانهيار، قالت الصحيفة: "إن حالة انعدام الأمن أصبحت واحدة من الشكاوى الرئيسية لرجال الأعمال فى مصر بعد الثورة، فالعصابات المسلحة التى استقوت فى ظل حالة الفراغ الأمنى منذ بداية الثورة تقوم بشن هجمات على الممتلكات الحكومية والخاصة".
إن الأوضاع الحالية لن تجعل المستثمرين الأجانب يأتون إلى البلاد، ولن تدفع المستثمرين المصريين إلى توسيع نطاق أعمالهم ما دام الوضع الأمنى لا يزال موحشا ومعدلات الجريمة فى ازدياد مطرد، كما أن حالة الاضطراب والفوضى التى تعيشها البلاد بعد الثورة سببت فى تراجع النمو الاقتصادى بشكل كبير.
مصر بلد الأمن والآمان.. نتغنى ونتباهى بها وهى خواء.. فلا أحد آمن على نفسه ولا أولاده ولا عمله، الكل مشروع شهادة إلى أن تستقيم الأمور، لكن.. متى؟؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ali
البلطجيه
عدد الردود 0
بواسطة:
واحد عجوز
سياسة المجرمين مع الشرطة
عدد الردود 0
بواسطة:
إسراء مجدي ابوعلي
الامن و الامان
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد القادر
الجامعه العربيه
عدد الردود 0
بواسطة:
هدير
مصر
مرسى مش حاجة عدلة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد محمد السيد احمد محمد السيد الصاوى
طوخ ابوكبير الشرقية
حافظكم الله ياشباب مصر كم حافظتم مصر