بات من الضرورى ونحن نخطط ونؤطر لعهد جديد، أن نُذكر أعضاء المجلس العسكرى، ورئيس وزراء مصر، "فالذكرى تنفع المؤمنين" بأن الحق فى الصحة هو من الحقوق القانونية العالمية، والتى ارتضتها وأقرت بها مصر من خلال التصديق على وثيقة العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
فالحق فى الصحة وسلامة جسد المواطن وتقديم الرعاية الصحية (طب – ودواء) أمر تلتزم به الدولة، ويجب عليها وضع البرامج والخطط والتشريعات التى تحمى هذا الحق، وعليها توفير الموارد اللازمة من ميزانيتها الخاصة؛ لتحقيق هذا الهدف، الذى يعد من أهم وأكبر وأفضل أوجه الإنفاق لكل الدول المتقدمة فى العالم.
فاحترام الدولة لحق المواطن فى الحصول على الخدمات العلاجية، يعكس مدى احترام الدولة لحقوق مواطنيها، ويؤدى إلى إحساس مجتمعى عام باحترام وحب المواطن للوطن، بما يعكس مدى أهمية وخطورة هذا الأمر على الأمن الوطنى القومى لمصرنا الجديدة.
هذه المقدمة سطرناها بمناسبة مناقشة مجلس الوزراء لقانون التأمين الصحى الجديد، والذى أعده خبراء ومستشارين وفلاسفة وترزية نظام المخلوع – وتشدق به المخلوع فى أحد خطاباته التى سبقت ثورة 25 يناير المجيدة.
فمشروع القانون الجديد الذى تتم مناقشته الآن فى الظلام – يتلخص ــ ومن خلال إطلاعنا على بعض التسريبات غير الموثقة – فى أن الدولة تتخلى عن تقديم خدمة التأمين الصحى للمواطنين، وتحيل تقديم الخدمة إلى شركات خاصة (مقدمى الخدمة) تقوم بتحصيل قيمة التأمين من المواطن، من خلال استقطاع نسبة مئوية من المرتب الشهرى او المعاش مقابل تقديم الخدمة، ولم يوضح لنا القانون ما هو وضع الفئات غير العاملة بقطاعات الدولة والفئات الأكثر فقراً؟ وكيف ستسدد تلك الفئات مبالغ مالية شهرية من أجل الحصول على الخدمة؟
وما هو مصير المنتفعين أصحاب الأمراض المزمنة؟ وما معنى المادة 26 من القانون والتى تجرم إفشاء الأسرار؟ وما الأسرار التى تحدث بسبب أو أثناء تقديم الخدمات الطبية والتى تستوجب تجريم من يفشيها؟ وهل هذه المادة تعنى امتناع الطبيب أو الممرضة أو غيرهما، ممن شاهد جريمة أو مخالفة إدارية، أن يبلغ بها أى شخص؟ ولماذا هذا التكتم الشديد على المشروع النهائى للقانون؟ وما الدافع لإصدار هذا القانون الحساس والخطير فى هذا التوقيت الاستثنائى فى غيبة من البرلمان؟
الإجابة عن تلك الأسئلة تتلخص فى أن الفلسفة التى صيغت على أساسها مواد هذا القانون خاطئة، فبدلا من أن تبدأ الدولة فى تطوير وتحديث وإعادة بناء هيكل التأمين الصحى فى مصر – اختارت التخلى عنه – وعن المواطن الغلبان الذى سالت دماؤه من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.
يجب على الدولة أن تعيد النظر فى الفلسفة التى بُنى عليها المشروع ككل، وأن تطرح مشروعا جديدا، يتناسب مع الوضع السياسى الراهن للدولة المصرية الحديثة، وأن تطرح هذا المشروع للنقاش العلنى، وأن تتقدم به لإقراره من خلال البرلمان الجديد.