"ميكروباص" قصة قصيرة لـ"أشرف العشماوى"

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011 08:44 ص
"ميكروباص" قصة قصيرة لـ"أشرف العشماوى" أشرف العشماوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
- صباح الخير يا أبونا موش هاتيجى معانا أوصلك
- ربنا يخليك يا بنى أنا حامشى أحسن السكك زحمة وأنا على رجليا حاوصل قبلك كتر خيرك ربنا معاك ويحفظك .
- يالا يا اخوانا عاوزين نتحرك ورانا مشوار طويل
قالها السائق وهو ينفث دخان سيجارته فى ملل وضيق مخاطبا صبيه المتعلق بباب الميكروباص الجانبى: استنى شوية لغاية ما الدكتور ييجى وبعدين العربية لسه فيها مكان أو اتنين فاضيين ورا
- دكتور مين يا أسطى؟
- محمد الميكانيكى ده دكتور وإيديه تتلف فى حرير وإحنا مشوارنا بعيد النهارده والطريق طويل ولو عطلت منى تانى زى ما حصل من كام شهر محدش حايعرف يصلحها غيره المرة دى..!

فجأة وصل رجل ضخم ممتلىء ذو لحية كثيفة طويلة والعرق قد ترك على جلبابه علامات باتت أشبه بخرائط جغرافيا لمناطق نائية مجهولة ..! صمم الرجل على الجلوس بجوار السائق رغم اعتراض الأخير إلا أنه لم يلق بالا لاعتراضاته، وجلس يعبث بسواك طويل فى أسنانه بعد أن ألقى بالسلام على من بالعربة ووجهه متجهم وكأنه يهددهم..!
- اتفضل يا باشا.. وسع يا أستاذ علشان الباشا يركب.. دلف الرجل ذو الهيبة إلى السيارة وجلس إلى جوار الرجل الملتحى بالمقعد الأمامى أيضًا بجوار السائق الذى بدا متجهما من زبائن غير مرغوب فيهم.. فظل يتمتم بعبارات غير مسموعة وإن كانت تنبئ بغيظ مكتوم يوشك على الانفجار.
- البدلة منورة على سعادتك يا باشا.. تهللت أسارير الرجل الملتحى وهو يقولها مرحباً بضيفه وكأنه ولى من أولياء الله الصالحين.. أخرج الباشا سيجارة وشرع فى تدخينها وهو ينفث دخانها فى وجه جاره الملتحى الذى لم يتخل عن ابتسامة ماكرة مصطنع الود رغم كثافة الدخان وكأن فكيه قد باتا مشدودين إلى أذنيه..!
- الدكتور محمد وصل يا أسطى .. رددها بحماس الصبى الصغير
نزل السائق مرحبا بمحمد الميكانيكى سائلاً إياه أن يلقى يفحص السيارة قائلا: أصل عندنا مشوار طويل النهاردة وخايف تعطل مننا .. لو فاضى تعالى معانا وأهو بالمرة لوعطلت تصلحها
تفحص الدكتور محمد - كما يطلق عليه أهل الحارة - الميكروباص ثم ألتفت الى السائق وقال : العربية دى ما ينفعش تطلع بيها خالص.. أكيد حاتعطل تانى..!
- ليه يا دكتور خير؟
- ما ينفعش الأخ الملتحى يقعد جنبك بوزنه الثقيل ده والشباب التلاتة اللى فى الآخر دول يقعدوا ورا وبعدين الباشا اللى قدام ده لازم يرجع لأن ده موش مكانه ما ينفعش اتنين جنب السواق وكمان الناحية اليمين محملة جامد قوى والشمال لسه خفيفة ما ينفعش كده يا أسطى العربية كده حاتقف منك بعد شوية موش حاتقدر تسافر بيها خالص ولا حتى تمشى جوه البلد!
- وطب العمل يا دكتور؟
- قول للباشا ينزل لأنه حمولة زايدة وممكن يركب عربية تانية تبع شغله.. ورجع الحاج ده ورا خالص موش مكانه هنا أدام.. وهات شوية من الناس اللى على اليمين فى النص أو على الشمال يمكن تتظبط الحمولة وتتعدل وبعدين تطلع .. غير كده أنا موش مسئول... ثم تركه وانصرف.!
- تعالت أصوات الركاب تحث السائق على التحرك وتتعجله وهو متردد تكاد الحيرة أن تفقده توازنه .. حاول إقناع الباشا بالنزول وأخذ وسيلة مواصلات أخرى فرفض بصلف ثم أضاف فى سماجة : على الأقل يا أخى أنا حماية ليكم محدش حايتعرضلكوا فى الطريق.. رد السائق فى عفوية لا تخلو من تحدى: الكلام ده كان زمان يا باشا.. إلا انه سرعان ما تسرب إليه قليلا من الخوف عندما ظل الأخير يصوب إليه نظرات حادة وهو يتحسس مكان سلاحه متظاهرا بأنه يتأكد من وجوده بينما كان صوت الرجل الملتحى فى الخلفية يعلو بالدعاء للباشا وهو يستعجل السائق قائلا : موش مهم نوصل إزاى المهم نوصل وخلاص يالا يا أسطى اتكل على الله وخلى عندك إيمان..
أنهم قد اختاروها بعناية.
رضخ السائق أمام إصرار الجميع على مواقعهم بالسيارة رافضين تركها أو حتى تغييرها ومصممين على التحرك.. فانطلق بها على مضض.
طوال الطريق لم يكف الباشا عن الحديث فى هاتفه المحمول يلقى أوامر على مرؤسيه ويتلقى إفادات منهم فى تجهم واستعلاء.. ويملى عليهم قرارات ثم يعاود الاتصال بعد برهة ليلغيها ويصححها بعد أن يخبروه بعدم ملاءمتها فيطلب منهم وضع حلول مؤقتة ويختتم كل محادثة بعبارته الأثيرة : حتى نعبر الأزمة .. ثم يلتفت إلى جاره الملتحى ليستطلع رأيه فكان يبتسم له فى بلاهة مؤيدًا ومؤمنًا على ما قاله الباشا من خلال إيماءة برأسه تشجعه على الاستمرار..!
ظل الشبان يعزفون ويغنون طوال الطريق بينما انشغل الجالسون على يسار منتصف العربة فى أحاديث جانبية كادت أن تنتهى بالعراك بسبب اختلاف آرائهم بينما ظل باقى الركاب فى صمت يرقبون ما يحدث دون تدخل أو إنفعال وكأن على رءوسهم الطير !
فجأة صاح أحد الركاب : انت رايح فين يا اسطى دى موش السكة الصح إحنا تهنا ولا إيه؟
أبطأت السيارة من سرعتها فجأة ثم سارت بطريقة متقطعة وكأنها تلهث بشدة ثم أطلقت صفيرًا مزعجًا أشبه بصيحة البجعة الأخيرة .. وما لبثت أن توقفت كجثة هامدة !
- إحنا باين علينا تهنا و دى حتة مقطوعة والدنيا ليل
- العربية عطلت يا حضرات ومحمد الميكانيكى موش معانا وانتوا مسمعتوش كلامه وكلنا لازم نساعد بعض يالا يا خويا أنت وهو انزلوا
بدأ البعض يغادر السيارة فى هدوء مشوب بالحذر ممزوجا بالخوف فالمكان موحش ولا شئ يوحى بالأمان
- أنا حاحرسكم لأنى الوحيد اللى معاه سلاح .. حاقف جنب العربية من بعيد وانتوا اشتغلوا وصلحوها ... أنا أصلى ما بفهمش فى الميكانيكا خالص .. ! هكذا قالها الباشا بثقة وحسم وكأنه يفتخر بما يقول .. تمتم أحد الشبان وهو يقفز برشاقة من السيارة : طب لما أنت مالكش فى الميكانيكا أخدت مكان محمد المكيانيكى ليه من الأول وقعدت ادام!!
فشل السائق فى إدارة محرك السيارة فلم يكن يستجيب لمحاولاته المستميتة بينما انشغل الشبان فى توزيع الأدوار على الموجودين لسرعة إنجاز العمل كل حسب سنه وقدرته وقدراته ..
اعترض باقى الركاب وانقسموا فيما بينهم وقال قائل: من أنت أيها الشاب حتى توجهنا .. أنا أكبركم سنا وأكثركم حكمة أنا الذى أصدر الأوامر وأنتم تنفذون.. رد عليه أحدهم : ماحنا حانشتغل زى حضرتك ويمكن أكتر كمان بس لازم ننجز بلاش نضيع وقتنا فى الكلام... إحنا نحط خطة عمل وبعدين نشتغل
رد الرجل الملتحى : أعوذ بالله منكم يا أخى أنت شاب مندفع ..خطة ايه وتخطيط وكلام فارغ.. كده الشيطان حايدخل بينا ويفرقنا أنتوا ابتدوا الشغل وشوفوا العربية تتصلح إزاى وانا حاشوفلكوا أحسن طريق نروح بيه من هنا سالمين باذن الله
رد الشاب والدهشة تستولى على كل ملامحه: نروح ليه إحنا عاوزين نروح مشوارنا موش عاوزين نرجع تانى ..!
ظل باقى الركاب فى السيارة لم يغادروها خوفا من المكان الذى تعطلت به والظلام الشديد الذى يحول دون الرؤية الواضحة فلم يشاركوا الشباب فى محاولة إصلاحها وان اكتفى بعضهم بالدعاء ..
بينما ظل الرجل الملتحى يتهامس مع الباشا بالقرب من السيارة فبدا كل منهما من بعيد كشبح كئيب المنظر بعد أن فضحهما ضوء القمر فى تلك الليلة .. فى حين كانت أصوات الشباب وهى تتعالى بالغناء تضفى على المكان بصيصا آخر من أمل .







مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد بدوى

مفهوم قصدك لكنك تجاوزت ضد الملتحين الملتزمين

عدد الردود 0

بواسطة:

ayman

ده ظلم وافتراء وتجاوز

عدد الردود 0

بواسطة:

المحامي العام السابق

قصة واقعية على حال مصر

عدد الردود 0

بواسطة:

دكتور ابراهيم عبد الرحيم

مختلفة

عدد الردود 0

بواسطة:

رياض

الى رقم 3

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الواحد

واقعية فعلا

القصة معبرة جداً عن الواقع شكرًا للكاتب

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد حسن الخطيب

اسقاط فى موضعه

عدد الردود 0

بواسطة:

ابوحمزة

شكلك متحامل جدا على التيار الإسلامي

عدد الردود 0

بواسطة:

حمدى عبد الكريم

على نهج كاتبنا الكبير علاء الاسوانى

عدد الردود 0

بواسطة:

قارئ اليوم السابع

المتاجرون بالدين

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة