تبدأ اليوم المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية فى عدد من محافظات مصر، ومن المفترض أن تكون هذه الانتخابات هى الأولى بعد الثورة «على نظام مبارك» ومن المفترض أن تؤدى هذه الانتخابات إلى تشكيل برلمان ثورى يحقق أهداف الثورة، كما وعد بذلك المجلس العسكرى فى بداية الأمر، بعدما نجح الشعب فى إجبار مبارك على الرحيل.
والمفترض لهذه الانتخابات أن تشكل برلمانا يضع قواعد النظام الجديد من دستور وقوانين وقواعد جديدة للحياة السياسية فى مصر، والمفترض أن تأتى هذه الانتخابات ببرلمان حقيقى يكون كل همه هو الدفاع عن مصالح الشعب ومحاسبة الحكومات على تقصيرها وعدم إجرائها أى اصلاحات حقيقية حتى هذه اللحظة.
ولكن المتابع لهذه الانتخابات سوف يجد أن كل الدوائر ممتلئة بمرشحين من النوعية نفسها، التى كانت موجودة قبل الثورة، من رجال أعمال الحزب الوطنى الفاسد الذى كل ما يهمهم هو الحصانة البرلمانية من أجل الحماية من السؤال حول الثروات والأعمال بالطبع توجد نماذج عديدة جيدة ويوجد العديد من المرشحين من شباب الثورة أو أحزاب نشأت من رحم الثورة، ولكن ماذا يستطيع أن يفعلوا أمام سلاح المال والبلطجة.
ويتوقع العديد من المحللين للأسف ألا تسفر هذه الانتخابات عن مجلس شعب يستطيع فعلا التعبير عن إرادة الشعب، وذلك لتشابه قواعد اللعبة نفسها، مع ما كان يتم فى عهد مبارك وقد يكون هذا من الأسباب التى دعت حركة 6 أبريل للابتعاد عن تلك المعركة، التى بدون قواعد واضحة ويتصارع فيها الجميع على الفوز بأكبر قدر من الغنائم، وقد اكتفت الحركة بحملات الدوائر البيضاء والسوداء وأيضا ميثاق الشرف الانتخابى فى محاولات لجعل الانتخابات المقبلة أكثر نزاهة وأكثر تعبيرا عن متطلبات الفترة الانتقالية، وبالإضافة لميثاق الشرف الانتخابى، ما أحوجنا الآن لميثاق الشرف الإعلامى، فللأسف تغيب قواعد المهنية عن أغلبية وسائل الإعلام فى مصر وأصبح يجمعهم عدم البحث عن صدق المعلومة، وأصبح معيار نشر الخبر هو مقدار جذبه للانتباه وإثارته للجدل، بغض النظر عن صحة الأخبار من عدمها، فمنذ شهور وتتسابق وسائل الإعلام فى مصر على نشر أى أكاذيب عن تمويل الحركات والجمعيات الأهلية، وأصبحت تستضيف كل من هب ودب وأى راغب فى الشهرة حاول جذب وسائل الإعلام بادعاء علمه ببواطن الأمور، وكل من يدعى وجود أى معلومة بغض النظر عن صحتها وأصبح كل من يملك خيالا مريضا يتحدث عن نظرية مؤامرة أو كل من استخدم الفوتوشوب لتجهيز بعض الأوراق المفبركة، تستضيفه وسائل الإعلام بحماس دون البحث عن صحة المعلومة، وعندما تتحدث أخيرا لجنة تقصى الحقائق والجهات القضائية وتعلن عدم صحة كل تلك الأساطير والوثائق المفبركة وأن الحركات الشبابية لم تتلق تمويلا من أى جهة، ربما تجد بعض وسائل الإعلام تناولت الخبر على استحياء، ولكن الأغلبية لم تتناوله إطلاقا، رغم أنها ساعدت على نشر الأكاذيب بكل حماس واستضافت كل المدعين والمخربين بكل ترحاب، ألا تتفقون معى على أن الإعلام المصرى يحتاج الآن لميثاق شرف هو الآخر؟