موقف قديم ذكرتنى اللوحة الموضوعة خلف منصة المؤتمر الصحفى الذى عقده المجلس العسكرى ورئيس اللجنة العليا للانتخابات، كان شوقى قد كتب فى عشرينيات القرن الماضى قصيدة يلوم فيها العمال لإضرابهم عن العمل، احتجاجا على الظلم الشديد الذى يتعرضون له، وكان مفتتح القصيدة يقول:
أيها العمال أفنوا العمر كدًّا واكتسابًا
اطلبوا الحق برفقٍ واجعلوا الواجب دابا
وكان أمير الشعراء الممثل لموقف السلطة فى هذا الوقت ينصح العمال بالتروى والترفق فى طلب الحقوق، متخذًا موقفًا متعاليا يتقمص فيه روح المعلم الناصح: قائلا: إن لى نصحًا إليكم إن أذنتم وعتابا، متسللا من خلال هذا "الإذن" إلى الإفراط فى توجيه الأوامر والنواهى، مطالبا إياهم بأن يتفانوا فى العمل كما كان المصريون القدماء يفعلون.
وبرغم براعة شوقى وتمرسه بأساليب الصياغة العربية لكنه تجاهل معاناة العمال ومشاعرهم الغاضبة، ولم يحاول أن ينظر للمأساة من خلال عيونهم، فى حين أن كاتبًا كبديع خيرى ألف أغنية تعالج الموضوع ذاته، وتنتمى إلى موقف العمال وتتمثل قضيتهم "تمثُّل الثكلى وليس تمثل النائحة".
وقد شاعت هذه الأغنية التى أطلق عليها "أغنية العمال"، ولحنها وغناها إمام الموسيقيين سيد درويش، وللمفارقة فقد ظهرت هذه الأغنية فى نفس الوقت الذى نشرت فيه قصيدة "شوقي". وكان مطلعها يقول:
ما قلتلكش إن الكترة
لا بد يوم تغلب الشجاعة
وأديك رأيت كلام الأمرا
طلع تمام ولا فيهشى لواعة
ويقول فى ذات الأغنية معالجًا قضية تبدو أشبه بما نعانيه الآن:
دخل بناتنا اللى موقعنا
فى بعضنا وراح لك متصدر
فقسنا لعبته واتجمعنا
ليضيع شرفنا الله لا يقدر
عاديك على اللى ادتله الدنيا
وش وبقى له تركه ومتاعة
تشوفنا احنا تقول حنفية
وتشوفه هو تقول بلاعة
تتبنى الأغنية الموقف الشعبى النقيض للموقف السلطوى الذى يفرض الوصاية من "الخارج" ولا يتمثل المعاناة من "الداخل" وتنتقد طائفة المستغلين والمتسلطين الذين لا يشعرون بمعاناة البسطاء بالرغم من تظاهرهم بعكس ذلك.
ويبدو لى الآن أن التاريخ يعيد نفسه، عبر المفارقة الطريفة التى "استشهد" فيها منظمو مؤتمر الانتخابات ببيتى "شوقى" غاضين الطرف عن أحداث 19 نوفمبر التى "استشهد" فيها الشباب دفاعا عن الميدان ضد اقتحام الشرطة، حيث اكتفى المجلس العسكرى بأن يعلق وراءه لافتة مكتوبا عليها:
البرلمان غدًا يمد رواقه ظلاًعلى الوادى السعيد ظليلا
قل للشباب اليوم بورك غرسكم دنت القطوف وذللت تذليلا
إذ يبدو المجلس العسكرى فى تلك المفارقة وصيًّا الآن على الشباب يدعو لهم بالبركة بينما يشاهد دماءهم تتناثر على أعتاب ميدان الحرية تماما مثلما كان "شوقى" منذ قرن وصيًّا على العمال، يشاهد معاناتهم ويطالبهم بالمزيد.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد العون
مقال جيد
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال عبد الناصر
كنا نحتاج المزيد ياأستاذ
عدد الردود 0
بواسطة:
ghgh
هل تزييف الحقائق نتيجة جهل ام مقصود !!!!!!!