لأول مرة فى تاريخ العالم العربى اتحدت الشعوب بطريقة لا إرادية، للآخذ بزمام التغيير مهما كان المصير، الهدف هو إزاحة تلك الأنظمة المستبدة، وبرغم من الإمكانيات الضعيفة، والأصوات المرتعشة، والقلوب الخائفة نجحت فى أن يصل صداها إلى أعلى قمم الحرية، حتى زلزلت العروش العاتية التى احتكرت الحكم لعقود كانت أشبه بطريق نجاح نحو الانتحار.
ومع هذا كله فقد كان موقف الجامعة العربية معاكساًً لما يطلبه الجمهور، فقد تخاذلت عن تحقيق الهدف الذى أنشئت من أجله "الخضوع للإرادة الشعبية"، ولذلك كانت كثيرة هى رءوس الأقلام التى دونها المراقبون للمشهد السياسى، وكشفهم انعدام الرؤية الإستراتجية للجامعة، من جانب تحديد معايير علاقة الأنظمة والشعوب، حيث ُبنى هذا المصطلح من خلال المواقف التى اتخذتها الجامعة تجاه الثورات العربية، بداية من تونس إلى سوريا، فقد كان موقفها من الأولى "بأن ما حدث هناك شأن داخلى" ، وكان نفس التعبير أشبه مع الثورة المصرية، خاصة - الأمين العام - يحتمل أن يلعب دوراً سياسياً فى الفترة القادمة، فكان موقفها مع مصر وتونس أقرب من المثل الشعبى "امسك العصا من النصف" يعنى ارتدت ثوب الحيادية السلبية، ثم هلت بشائر الثورة فى "ليبيا" لتأخذ الجامعة العربية خطوة تعتبر إيجابية بارزة ربما تكون الحسنة الوحيدة لتعجيلها بالقرار، حينما علقت عضوية ليبيا وطلبت من مجلس الأمن اتخاذ الإجراءات لحماية المدنيين، وتبعها الموقف مع "اليمن" فألقت ملفها برمته إلى مجلس التعاون الخليجى، وإلى الآن لا نرى إلا تفاقما فى الأوضاع وحروباً شبه أهلية، إضافة إلى الكبر الذى زاد عن حدة من "صالح".
وأخيراً الرياح الغاضبة التى هبت لتجتاح الشارع السورى لإنقاذه من هواء أهل الفساد الملطخ بالدماء، فلاقت تلك الرياح طواحين وحشية وعنف بالغ التصورات، ليصبح موقف الجامعة أكثر سوءاً، بل وصف بالقشة التى قصمت ظهرها، لأنها لم توجه نقدا علنيا واضحا تجاه النظام السورى، وكل ما قامت به هو دعوة للإصلاح، ومن هنا يأتى رأى المراقبون أن الجامعة تأخرت فى قرارها الخاص بتجميد عضوية سوريا، وسحب السفراء العرب، وكان عليها ممارسة الضغط والقوة تجاه "بشار وأعوانه" على سبيل إنهاء العلاقات الاقتصادية.
من خلال هذا العرض المختصر لمواقف الجامعة العربية التى هى أقرب من أن تكون جامعة الأنظمة وليست الشعوب التى لوحظ فيها تجاهل الفوران الشعبى وتحويلها إلى عمليات إصلاحية، يؤكد أنها هيئة إدارية وليست سيادية ذات طابع خاص من القرارات، أى أنها لا تستطيع أن تتخذ موقفا سياسياً مستقلا، بعيداً عن رأى الدولة الثائرة فى طبيعة ما بداخلها، ومن هنا نستطيع القول بأن الحديث عن تطوير الجامعة العربية فى ظل نظامها الذى مكتوب فوق عرشه "البقاء للأقوى" لن يأتى بعواقب ملموسة يمكن الاعتماد عليها فى تطوير ومكانة المواطن العربى والعلاقات المشتركة، فيبقى الوضع كما هو عليه.
الحل هو أن تسير الثورات العربية برغم بطئها فى استخدام سلاح الضغط الشعبى السلمى، وتواصل نجاحها ومواكبة التطوير، وسحب البساط من تحت الطغاة الجبابرة الذين استعبدوا أناسا ولدتهم أمهاتهم أحرار، وبعد ذلك تنشأ لنا أنظمة أكثر قوة واستقلالا وحرية، وحرصا على ما يريده شعوبها واحترام إرادتهم سيكون نتيجة ذلك جامعة عربية "محصلة لدول قوية"، تأبى على ما يطلبه الحكام بدون رغبات الشعوب، وليست كما نراها الآن محصله دول ضعيفة وأنظمة ظالمة.
فلننتظر الصوت الحر الممثل من الشعوب والأنظمة معا، ونترك للقارئ السؤال الذى لابد أن يوجه كل عربى يرغب فى العدالة والحرية والمساواة من يؤثر فى من الجامعة العربية أم الثورات العربية!
محمد أبو زيد الطماوى يكتب : جامعة للشعوب أم للأنظمة؟
السبت، 26 نوفمبر 2011 10:02 ص