معصوم مرزوق

انزل.. يا باشـا..!

السبت، 26 نوفمبر 2011 03:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سيطر المماليك على مقادير الحياة فى بر مصر، وأصبح زعيمهم يلقب بـ«شيخ البلد»، صارت مشيخة البلد بمثابة إمارة مصر، وعبث المماليك بالولاة، وأخذوا يعزلون من لا يرضون عنه، فإذا اجتمعوا على عزله أنفذوا إليه رسولاً اسمه «أودة باشى»، يذهب إليه حاملاً قرار الديوان بعزله، فيدخل إلى مجلسه ويحييه بكل احترام، ثم يثنى طرف السجادة التى يجلس عليها الباشا ويعلنه قرار العزل بقوله: «انزل.. يا باشا!!»، فتكون هذه الجملة بمثابة أمر الخلع، وينزل الباشا من القلعة، ويصبح كأحد الأفراد لا حول له ولا طول, كانوا ولاة وباشاوات «العشرة بقرش»، مجرد عرائس تحركها أصابع المماليك، بينما أولاد البلد يكتفون إزاءه بالتصفيق والتهليل أو البكاء والنواح، ويرددون خلف خطباء المساجد والزوايا الدعاء للوالى الجديد والدعاء على الوالى المخلوع، ولعل المتأمل فى تلك الأحوال يجد فى ذلك الموقف الشعبى لأهل مصر موقفاً سلبياً مذموماً، فكيف يتأتى أن يكتفى الشعب بالفرجة فى حين يدور الصراع على أهم ما يمس حياة هذا الشعب، الصراع حول السلطة التى ستحكمه؟ فما تفسير ذلك الموقف العجيب من السلطة السياسية؟

لابد أن نتحفظ فى البداية من قبول ما تقدم على إطلاقه، خاصة أن التاريخ المكتوب فى أغلبه هو تاريخ السلطة، يكفينا أن نقرأ أطنان الأوراق التى سودها المؤرخون المعاصرون عن الحروب الحديثة، سنجد أن أغلب سطورها تدور حول القادة والزعماء وأسلوب اتخاذ القرار.. الشعب غائب فى هذه السطور أو مغيب.

إذا نظرنا إلى ملحمة العبور التى خاضها الشعب المصرى فى أكتوبر 73، وتخيلنا أحفادنا بعد مائة عام من الآن يقرأون كتابات المؤرخين المعتمدين لتلك الفترة، فسوف يجد هؤلاء الأحفاد بالقطع آلاف السطور عن عبدالناصر سلباً وإيجاباً، وعن صراع السلطة بين السادات ومن أطلق عليهم مجموعة 15 مايو.. إلخ، ولن يجدوا سوى سطور قليلة متناثرة فى أدب قد يندثر تتحدث عن العريف شنودة والرقيب محمد عبدالعزيز رضوان والملازم مصطفى عبدالسلام.. سيظن الأحفاد أن الرئيس السادات ومعه حفنة من القادة العظام توجهوا شخصياً إلى قناة السويس، وقفزوا تلك القفزة الهائلة، بينما وقف الشعب المصرى كله يهلل، ويصفق معجباً على الضفة الغربية لقناة السويس!

هل كان الشعب المصرى سلبياً حقاً؟ وهل كان السادات يستطيع أن يتخذ قرار الحرب لولا استناده إلى تيار جارف عارم من تصميم شعبى وإرادة لا تلين صوب الحرب؟! إن ما يمكن قوله بكل الموضوعية والتجرد هو أنه فقط نطق بالقرار، ولكن الذى اتخذ القرار كان الشعب المصرى بكل فئاته وطوائفه, وأحياناً تكون السلبية موقفاً سياسياً إيجابياً من منظور الفهم السياسى الصحيح، فحين لا تخرج جموع الشعب مدافعة عن الوالى المخلوع، فلابد أنه لا يستحق ذلك لكونه مثلاً ظلوماً غشوماً، وحين يقف الشعب ساكناً إزاء مؤامرات البلاط وصراعات السلطة، فهو يترك تلك النار كى تأكل بعضها، وفى النهاية لن يصح إلا الصحيح، فسوف تستقر فقط تلك السلطة التى تستمد شرعية وجودها من الشعب.

إذن فهو نوع من السلبية الخلاقة، تلك التى تقرأ الموقف قراءة صحيحة، وتدع كلاب السلطة فى صراعها المحموم تتقاتل، بينما يدخر الشعب طاقاته الإيجابية للحظة لابد أنها آتية، حين تتهاوى السلطة التى تستند إلى القوة، وترتفع سلطة الشعب.

لذلك لا أرى ما يراه البعض فى موقف الشعب المصرى، ولا أتفق مع أغلب المؤرخين الذين نسبوا إليه صفات السلبية والتواكل، وربما ينبغى على «أودة باشى» أن يتوجه إلى ذلك الصنف من المؤرخين كى يثنى طرف السجادة التى يجلس عليها، ويقول له بثبات: «انزل يا باشا».








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 9

عدد الردود 0

بواسطة:

قارىء

اكتب كلام سهل وواضح

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

اعتبروا يا أولى الالباب

عدد الردود 0

بواسطة:

AbdiElmalik

wonderful

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

خطه الاخوان لتزوير الانتخابات بالمنقبات

عدد الردود 0

بواسطة:

لا حول ولا قوة

انزل انتا يا باشا

عدد الردود 0

بواسطة:

سعيد

طبعاً شعبنا سلبي

عدد الردود 0

بواسطة:

تامر

حلوة " انزل انتا يا باشا"

عدد الردود 0

بواسطة:

سفاح القلوب

هو فعلاً صحيح " انزل انتا ده يا باشا"

عدد الردود 0

بواسطة:

راجي الإتربي

الأراء الأكاديمية لها قيمة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة