وجه المشير محمد حسين طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلسها الأعلى الذى يتولى حكم البلاد منذ 11 فبراير، كلمة مسجلة عبر التليفزيون مساء يوم الاثنين الماضى، أعلن فيها قبول استقالة حكومة د. عصام شرف وإجراء انتخابات مجلس الشعب فى موعدها «الاثنين 28 نوفمبر» وانتخاب رئيس الجمهورية قبل نهاية يونيو 2012، وبالتالى انتهاء الفترة الانتقالية وتسليم السلطة للمدنيين وعودة القوات المسلحة إلى ثكناتها، مؤكدا أن القوات المسلحة لم تنفرد بقرار، وأنها تقف على مسافة متساوية من الجميع دون تصنيف أو انتقاء.
وكان الفريق سامى عنان رئيس الأركان ونائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد عقد اجتماعا ظهر نفس اليوم - قبل كلمة طنطاوى بساعات - حضره عدد من رؤساء الأحزاب والشخصيات العامة، اتفق خلاله على تشكيل حكومة إنقاذ وطنى وتسليم السلطة فى موعد غايته الأول من يوليو 2012، والوقف الفورى لجميع أعمال العنف ضد المتظاهرين والإفراج عن المقبوض عليهم والتحقيق مع المتسببين فى أحداث العنف خلال الأسبوع الماضى وإجراء الانتخابات فى موعدها.
وللأسف لم يتحقق الهدف من اللقاء ومن كلمة المشير طنطاوى، وهو وقف العنف والقتال المتواصل لعدة أيام بين الشرطة والمتظاهرين فى ميدان التحرير وميادين أخرى فى الإسكندرية والسويس والإسماعيلية وقنا وأسوان وغيرها من مدن مصر، كذلك لم يتراجع الاحتقان السياسى والأمنى والاجتماعى الذى هيمن على الحياة السياسية فى مصر، وبالتالى تراجع الأمل فى أن تكون انتخابات مجلس الشعب المقرر أن تبدأ بعد غد «الاثنين» نقطة التحول للانتقال من المجتمع الاستبدادى القائم فى مصر منذ 40 عاما «انقلاب السادات فى 13 مايو 1971 وصدور دستوره فى سبتمبر من نفس العام» إلى مجتمع ودولة مدنية ديمقراطية حديثة.
وهناك أكثر من سبب لاستمرار المأزق الذى نعيشه هذه الأيام، وفشل اللقاء والكلمة فى وضع برنامج للخروج منه.
فعلى عكس ما قاله طنطاوى من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم ينفرد بالقرار، فجميع القرارات الأساسية التى اتخذها المجلس كانت نموذجا للانفراد بالقرار، بدءا بالإصرار على تعديل دستور 1971، مرورا بتشكيل اللجنة التى تولت تعديل 8 من مواد هذا الدستور ثم انفراد المجلس الأعلى بإصدار الإعلان الدستورى فى 30 مارس متضمنا 62 مادة، والإصرار على فرض نظام مختلط لانتخابات مجلسى الشعب والشورى يجمع بين نظام القائمة النسبية ونظام المقاعد الفردية، وأن تجرى هذه الانتخابات أولاً ثم تتم صياغة الدستور، رغم إجماع الأحزاب والقوى السياسية وفقهاء الدستور على ضرورة صياغة الدستور أولاً ودأب المجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ توليه السلطتين التشريعية والتنفيذية على الانحياز لاتجاهات وتيارات سياسية معينة، وظهر انحيازه لقوى وتيارات الإسلام السياسى بوضوح فى تشكيل لجنة التعديلات الدستورية وما تبعها من تطورات، والجديد هذا الأسبوع هو انحيازه ضد تيار سياسى أصيل فى الحياة المصرية وهو تيار اليسار، فقد تم عمدا تجاهل تيار اليسار المصرى العريق والمؤثر فى الحياة السياسية والثقافية والفكرية فى مصر منذ عام 1920 عقب ثورة 1919 فى اللقاء الذى دعا إليه الفريق سامى عنان، ولم تتوقف هجمات الشرطة واستخدام العنف ضد المتظاهرين والمعتصمين فى ميدان التحرير، ولم يقدم المسؤولون عن فض الاعتصام بالقوة فجر الأحد الماضى واستخدام الخرطوش والرصاص المطاطى - وربما الرصاص الحى - ضد المتظاهرين وتعمد توجيه الذخيرة للوجه والعيون تحديدا مما أدى إلى استشهاد العشرات وإصابة الآلاف وتدمير عيون عدد كبير.
وفى ظل هذه الأوضاع المتفجرة، فإجراء الانتخابات بعد غد سيؤدى إلى انفجار عنف غير مسبوق، وستسقط البلاد فى هاوية الفوضى فى ظل غياب الأمن وحالة الهدوء والتربص المتصاعد بين الشرطة والمواطنين نتيجة لأحداث الأسبوع الماضى، وتأجيلها لعدة أسابيع بشرط الشروع فوراً فى التوافق مع الأحزاب والقوى السياسية والائتلافات الشبابية الفاعلة على برنامج سياسى اقتصادى اجتماعى أمنى لمرحلة الانتقال، فهذا هو المخرج الوحيد من هذه الأزمة.