د. رضا عبد السلام

الحصاد المر لحوار الطرشان

السبت، 26 نوفمبر 2011 10:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عودنا النظام البائد على تركِنا نتحدث ، فى مقابل فعله لكل ما كان يحلو له، أى بمنطق " دع الكلاب تنبح والقافلة تسير". هكذا كنا، واعتقدنا أننا تركنا هذا الماضى البغيض، ولكن يبدو أن شيئا لم يتغير، بدليل ما نحن فيه الآن. أعتقد – وربما يعتقد معى الملايين من أبناء هذا البلد - أنه لا أحد يستمع لأحد. فالكل يتكلم، وكلٌ يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وبالتالى يفترض الغباء فى الآخر، أو لنقل الجهل، تماماً كما كان يعاملنا النظام البائد.

وفى المقابل، وعلى الرغم من إدراك القائمين على شئون البلاد (حكامها الجدد) لكافة التطورات، ومتابعتهم لها عن كثب، إلا أنهم يتصرفون تصرف المشاهد، وهو وضعٌ يدعو للريبة والخوف من الغد. ما الذى يجرى، ولماذا نتحاور هكذا حوار الطرشان؟ وكأن أطرش يخاطب أطرش!! أو غبى يخاطب غبي؟ هل فكرنا فى تبعات هذا الوضع؟ هل وضع أى منا مصر فى اعتباره؟

أنا أوافق تماماً على أن بعض التيارات السياسية قد غالى فى خطابه، بل بدأ البعض من تلك التيارات يتصرف وكأنه القائد أو المدير الفعلى لهذه البلاد!! فبادر بإصدار قرارات وحشد مليونيات، وهو ما عزز من حالة الاحتقان فى الشارع، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه. إلا أنه من جهة أخرى، وجدنا أنفسنا أمام حكومة أقل ما يقال أنها حكومة ضعيفة، كانت سبباً فى إشعال الفتن بدلاً من إطفائها (تلبيتها لمطالب بعض الفئات). ومن ثم، فكل ما نجحت فيه تلك الحكومة، هو افتراس الاحتياطى النقدى، حتى أصبحنا على شفا حفرة من الإفلاس.

نعم، وجدنا فضائيات يصارع بعضها بعضاً من أجل كسب ود المشاهد، مهما كان الثمن، فالمهم هو جذب المشاهد، ومن ثم قدر أكبر من الإعلانات، وبالتالى الأرباح الطائلة، ولتذهب مصر وشعبها إلى الجحيم!! أنا لا أنكر أن الإعلام المصرى (بكافة أشكاله) العام والخاص – وسيكتب التاريخ ذلك – قد فشل فشلاً ذريعاً خلال تلك الفترة الحاسمة من تاريخ مصر، وكأن عجلة الزمن تعود بنا إلى الوراء.

نعم، سيسجل التاريخ أيضاً أن المجلس العسكرى، وقواتنا المسلحة بوجه عام، قد استقبلها شعب مصر بالورد والترحاب الكبير، وأنها "كانت" قد أبهرت العالم خلال الأشهر الأولى من عمر الثورة، ولكن وبمرور الوقت، بدأ نجمها يخفت شيئاً فشيئاً، حتى بدأ الكثيرون فى المطالبة بالإسراع بتخلى العسكر عن إدارة البلاد، وتركها لمجلس رئاسى مدنى!! ومن جهة أخرى، وبمرور الوقت رأينا قوانين تصدر عن المجلس العسكرى دون حتى الرجوع إلى دوائر المجتمع المختلفة، تماماً مثلما كان الوضع فى ظل النظام البائد!! ليس هذا فقط، فقد بادرت الحكومة والمجلس العسكرى بطرح وثيقة المبادئ الدستورية، ثم قانون العزل السياسى قبل أيام من معركة الانتخابات البرلمانية!! هل هذا معقول؟! أليس من حقنا أن نتساءل فى تعجب؟! لمصلحة مَن إشعال البلاد؟ قد أتفق على ماورد بالوثيقة، ولكن هل هذا هو التوقيت المناسب؟ أتفق على ضرورة إبعاد من أفسدوا الحياة فى مصر، فأين كان هذا القانون طوال الشهور الماضية؟ ولم يتم إصداره فى ظل تلك الأجواء الملتهبة؟! الأسئلة كثيرة، ومن حقنا أن نسألها وعلينا أن نتوقف عن سياسة التجاهل والتكبر والتجبر!!

كنا نتوقع أن تشهد بلادنا أسلوب تعامل يختلف عن أسلوب النظام البائد. فقد ظل الجميع يتكلم ويتهم ويخون دون تدخل أو تعليق أو نفى من هذا الطرف أو ذلك. وفى كل الأحوال إذا كان هناك من لوم فإنه يوجه إلى من بأيديهم مقاليد الأمور، وأقصد الحكومة والمجلس العسكرى. فهم مسئولون عما آلت إليه الأمور.

كنت أتمنى - وأعتقد أن الملايين يشاركوننى الرأى - أن نرى العصا الغليظة وأن نرى الدولة، وعندها كانت ستتوقف المطالب الفئوية وستعود عجلة الإنتاج للدوران، ولكن الذى حدث هو أن هيبة الدولة قد سقطت، وشارك الجميع فى إسقاطها، ولكن عند الحديث عن المسئولية، فإنها ينبغى أن تلقى على عاتق من حملوا على عاتقهم إدارة شئون البلاد والعباد.

نعم نحن نريد الديمقراطية، ولكن، وبما أننا لسنا أغبياء، ندرك أن شعبنا خرج من الثورة وهو غارق فى الفقر والجهل، ومن ثم فهو بحاجة إلى اليد الأمينة لتنقله بأمان نحو المستقبل. ولكن الدولة تركت الساحة لكل صاحب مصلحة، حتى تغول البعض، واعتقد أنه يمثل دولة داخل الدولة.

إن ما يحدث فى ميدان التحرير وفى باقى ميادين مصر ليس إلا حصاداً مراً لحوار الطرشان. على المجلس العسكرى أن يظهر نفسه للناس وأن يقترب منهم وأن يكون هناك حوار ندى، خاصة أن المجلس العسكرى ليس إلا حارساً لمسار الثورة بعد أن احتضن الشعب جيشه العظيم. هل نفيق من هذا الكابوس قبل أن يفوت الأوان. رغم الدماء التى سالت فى مختلف مدن مصر، فأنا على يقين أن الأمل قائم، ولكن إذا خلصت وصدقت النوايا، ووضعنا جميعاً مصر نصب أعيننا. نسأل الله السلامة والخير لمصرنا الحبيبة، والهداية للقائمين على شئونها. إنه ولى ذلك والقادر عليه.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة