نبيل عمر

الأخطاء الدامية فى ميدان التحرير

السبت، 26 نوفمبر 2011 03:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين تطايرت أنباء عن الدكتور كمال الجنزورى واحتمال اختياره رئيساً للوزارة، صرخت فى نفسى: كفاية حرام، وتساءلت: هل ثمة ماكينة أخطاء خلقية فى بنية السلطة والحياة المصرية لا تكف عن العمل؟، ما كل هذه الأخطاء الفادحة التى ارتكبت وترتكب منذ 11 فبرابر الماضى وإلى الآن؟

فالدكتور كمال الجنزورى مع كامل احترامنا له ليس هو رجل المرحلة، ليس لنقص فيه، وإنما هو فى سن يصلح معها أن يكتب مذكراته ويلعب مع أحفاده ويرتاح من رحلة سياسة طويلة بدأها محافظا فى عصر أنور السادات قبل 35 عاماً، وكان وقتها فى الثالثة والأربعين من عمره، متعه الله بالصحة والعافية.

لكن مجرد التفكير فى اختياره يكشف بوضوح عن حجم الهوة الرهيبة التى تفصل بين السلطة وميدان التحرير، بين الأزمة العنيفة التى نعيشها والحلول التى نبحث عنها، بين ماض يصر على التحكم فينا بأساليبه وطرق تفكيره ورؤاه، ومستقبل ننشده ولا نعرف كيفية الوصول إليه كما لو أننا متعمدون ذلك!

وأول خطوة فى حل أزمة التحرير هى التوقف فوراً عن التفكير بالطرق القديمة التى أوصلتنا إلى ما نعانيه من أزمات ومشكلات خطيرة تهدد كيان الأمة المصرية فى صميم وجودها لأول مرة فى تاريخها!

وإحقاقاً للحق لم ينفرد المجلس العسكرى بتشغيل ماكينة الأخطاء، كلنا مارس نفس الأفعال القبيحة بدرجة أو بأخرى، لكن تظل مسؤولية المجلس هى الأكبر، لأنه حاكم البلاد وصاحب أعلى سلطة فيها، صحيح هو أخذ زمام الأمور فى ظروف استثنائية فى غاية الصعوبة، وهذا قدر الكبار دوماً، وبالقطع هو يتحمل وزر ما آلت إليه الأمور، مهما كانت المؤامرات التى أحيكت والجرائم التى انجرف إليها المصريون بعد رحيل مبارك بساعات ضد وطنهم، وهم يبحثون عن مخرج لهم من قبضة الأحوال الاقتصادية الخانقة!

وأتصور أن محاولة الحفاظ على الشعبية التى كللت رأس القوات المسلحة بعد نزولها إلى الشارع وانحيازها لثورة الشعب هى التى أوقعته فى الأخطاء التى كان أولها هو التهاون المفرط فى تطبيق حظر التجول فى أيام الثورة وبعدها، مما أعطى انطباعا بالتسيب، فاتسع نطاق الانفلات الأمنى ولم تقدر الداخلية على استعادته، خاصة فى ظل مؤامرة مكتومة من داخلها ضد المجلس والشعب معاً.. والداخلية أزمة كبيرة إن لم تحل جذريا فلن يتوقف الانفلات الأمنى أو يهدأ.

لكن أكثر الأخطاء خطورة كان فى عدم وجود رؤية متكاملة فى إدارة المرحلة الانتقالية، فسقط المجلس فى مطب استشارات فى غاية السوء، سواء مع خبراء فى وزارة العدل ورطوه فى السير عكس الاتجاه الصحيح بقرار التعديلات الدستورية الغبية ولجنتها التى أثارت المخاوف والقلق، ومع قوى سياسية متشرذمة تدور حول مصالحها قبل مصلحة الوطن، فوقع المجلس بين عمليات شد وجذب سببت له ارتباكاً شديداً فى الحركة، فآثر أحياناً السلامة والقرار المتأخر فى وقت عصيب، كل دقيقة فيه لها ثمن، وأتصور أنه انجر جراً إلى غية السلطة، وأكاد أجزم بأنه لم يفكر مطلقاً فى الاحتفاظ بها، ولا يريد، لكن الغواية تفسد التفكير السليم، خاصة أن المجتمع لم يجب عن السؤال الأهم عند المؤسسة: ما هو دورها ومكانتها وكيف تمارسه فى النظام الجديد؟، والمدهش أن عدداً من المحرضين: نوابا وثواراً وسياسيين وإعلاميين يتصور أن المؤسسة كانت فى نزهة مدنية وانتهت، وعليهم أن يعودوا إلى الثكنات، ينتظرون أن يحدد لهم المدنيون مصيرهم، وهو تصور ساذج غير صحيح على الإطلاق، ولا نظير له فى أى ديمقراطية فى العالم، فالعسكر فى خلفية المشهد، لكنهم عنصر مؤثر فيه.. حتى فى الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالطبع ظهر هذا التخبط فى إدارة أزمة التحرير الحالية، فلم يكن معقولاً أن تترك المواجهة بين الداخلية والمعتصمين الغاضبين لتصل إلى هذا الحد المفزع من الدماء المسالة، قتلا وإصابات، ثم تتدخل الشرطة العسكرية وتقيم الحواجز والسواتر الخرسانية بعد خمسة أيام من القتال، وهذا تباطؤ وإهمال جسيم، أتاح للمحرضين والمتآمرين أن يواصلوا الشحن والتهييج، والتحريض لشباب نقى على اقتحام وزارة الداخلية بأى ثمن، حتى يسقط مزيد من الضحايا وتنقل الفضائيات الصور المستفزة، فتجلب إلى شارع محمد محمود مزيداً من الغضب المشتعل، لعل الفوضى المخطط لها، تعم وتدخل مصر إلى نفق الخراب الذى لا عودة منه.

وقد مارست هذه القوى -ولاتزال- هذا الدور بنجاح يحثها على الاستمرار فيه، وقد ينكشف ذات يوم ما فعلته فى أزمة دمياط وقد استغلت الموقف ودفعت به إلى حصار الميناء الجديد وتعطيله، وهو ميناء حاويات مهم على البحر المتوسط، فانتقلت الحاويات إلى أقرب ميناء بديل، ولو حاولت إسرائيل أن تضرب مصر ما كانت تستطيع أن تصيبها بهذا القدر من الأذى المخطط.

ومازلنا محاصرين فى الفخ ونمضى فى طريق الفوضى بأقصى ما نستطيع.. ولا أراكم الله مكروها فى عزيز لديكم.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة