أكتب هذا المقال قبل ساعات من مليونية الثلاثاء، يوم الثانى والعشرين من نوفمبر، بعد أيام قليلة من الأحداث الدامية الحزينة هذا الأسبوع.
سمها ما تشاء، السبت الحزين، الأحد الحزين، الاثنين الحزين، واليوم الثلاثاء الحزين، فالأحداث الساخنة مازالت مشتعلة دون أمل فى الهدوء، فالبلد كله ينتفض، والبلد كله مولع، والدم لا يتوقف.
كتبت مقالين فى «اليوم السابع» الأسابيع الماضية، بل قلت فى حوار تليفزيونى وافترضت ما أسميته الفصل بين القوات، وطلبت هدنة لالتقاط الأنفاس، كتبت ولم تكن الأحداث ساخنة، لأننى كنت أشعر أننا سندخل إلى أيام صعبة قبل الانتخابات، وليس أثناءها كما توقع كثيرون.
استعرت نفس التعبيرات التى قيلت فى كل الحروب، من فصل بين القوات، وضبط النفس، والوصول إلى هدنة، قيلت أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية، فى الحروب الأهلية منذ الحرب الأهلية الأمريكية، إلى الحروب الأهلية فى دول أفريقيا، وكذلك استخدمت فى كل الحروب الإقليمية، مثل حرب الخليج الأولى والثانية.
أى محلل أو راصد لثورة مصر، لم يكن يستطيع أن يتنبأ بأن ما حدث يمكن أن يحدث، وقد حدث ذلك ووجدنا أنه تتم إقامة منطقة عازلة بين الثوار من الشباب، وقوات الشرطة التى تحمى وزارة الداخلية، دعوات ضبط النفس بدأنا نسمعها، الوصول إلى هدنة بين أبناء الشعب الواحد أصبح المطلب الرئيسى.
جثامين الشهداء يطاف بها فى ميدان التحرير ليزداد الغضب، وتشتعل الصدور، وتزيد الدعوة إلى العنف، نفس ما يحدث فى قطاع غزة، هذا عن أولاً، أما ثانياً فما موقف القوى السياسية؟، قيل إنهم السبب، خاصة هذا الداعية الذى يطمع فى رئاسة مصر، ومعه بعض زعماء الرئاسة.
موازين القوى فى مصر هى بترتيب القوة، المجلس العسكرى، وهو غير مستفيد، بل زادت مسؤوليته وزاد الهجوم عليه، الحكومة، والدعوة الآن لإسقاطها أصبحت مطلباً رئيساً، القوى السياسية قد تكون قد كسبت بعض المواقف السابقة، ولكنها الآن طردت من الميدان. إذن لا أحد كسبان، وفى السياسية لا أحد يفوز طوال الوقت، فالسياسة مباراة الفوز فيها غير مضمون دائماً.
أما الطرف الأخير الذى أريد أن أفعّل الحديث عنه فهو الشباب المصرى كله، وشباب الثورة بوجه خاص.
بعد الثورة بأشهر قليلة اختفى شباب الثورة لأسباب كثيرة، وقفزت إلى المشهد القوى السياسية العلمانية والإسلامية، سيطروا على الموقف من خلال الفضائيات التى صدعوا رؤوسنا بأحاديثهم فيها، وليس من خلال الشارع السياسى.
أعترف أننى اضطررت إلى الموافقة على الرأى الذى قيل يومها بأن الثورة قد سرقت وخطفها غير أصحابها، وأعترف كذلك أننى اكتأبت، فمعنى أن الثورة تضيع أن مصر ضاعت، فثقتى الوحيدة كانت فى الشباب فقط، مع احترامى للقوى الأخرى، فهم آباء الثورة، وهم الحريصون عليها، وهم الأنقياء الذين لا غرض لهم سوى نجاحها.
إذن فرصتى زادت بهذه العودة القوية لشباب الثورة، جاء الثائر الحق من الشباب، جاء المخلصون، جاءت الصورة الجميلة والوجه الحلو لمصر.
قد تسألنى عن مشاعرى الآن، نعم أنا حزين ومكتئب، ولكن شعاع الأمل والضوء جاء لى عندما سيطر الشباب على المشهد، وأصبحوا فى بؤرة الصورة، وفى قلبها وليسوا على الهامش.
المعنى الآن أن الثورة عادت إلى الحريصين عليها، وإلى الذين بذلوا دماءهم من أجلها، إذن سمها ثورة ثانية، لا مانع، سمها إعادة الحياة للثورة، ممكن، سمها عودة شباب الثورة والعود أحمد، طبعاً.. هم فقط الذين أثق أنهم يمكن أن ينقذوا الثورة، ويمكنهم أن ينقذوا البلد.
فقط أرجوهم أن يكون شعارهم الوحيد والكبير هو «لن تسقط دولة كبيرة اسمها مصر».. عاشت مصر.
هل هناك حل سحرى للأزمة؟
إذن السؤال الآن، وأنا أكتب ما قيل إن المشير طنطاوى سيصدر بياناً للأمة، وأنا شخصياً من العاشقين لكلمة الأمة هذه، دخلت مجلس الشعب فى السبعينيات، وكان اسمه مجلس الأمة، وغضبت عندما غيروا اسمه إلى الاسم الحالى.
ما علينا، السؤال كان الأسبوع الفائت: البلد رايحة على فين؟، تحول بعد الأحداث إلى: ما السبب؟، وما الحل للخروج من هذه الأزمة؟، وبالمناسبة أطروحة الدكتوراه لى كان عنوانها «أزمة الديون الخارجية وتأثيرها على صنع القرار السياسى فى مصر»، كما أننى أدرس مادة اسمها إدارة الأزمات.
إذن السؤال هو: هل ما نحن فيه الآن هو أزمة فعلاً، بمعنى الأزمة التى نعرفها فى أدبيات السياسة، أم أنها مشكلة كبيرة مستعصية على الحل؟، وبالتالى السؤال: هل نطبق شروط وقواعد الأزمة على الحال فى مصر الآن؟.. الأزمة باختصار تعنى أن «الأحداث خارج نطاق السيطرة»، وأن أحد أطراف الأزمة -الحكومة والمجلس العسكرى- لا يستطيعان أن يقوما إلا برد الفعل، غير أن حنكة القيادة ليست مجرد الرد على الأحداث، إنما هى فى السيطرة عليها، والإقلال من تحول الأزمة إلى أزمات أخرى.
حضرتك اقرأ هذا الكلام عن الأزمة وطبقه على الوضع الحالى فى مصر، واسأل نفسك: هل هناك أزمة؟.. الإجابة: نعم.
السؤال الثانى: هل القيادة- الحكومة والمجلس عسكرى- استطاعت السيطرة على الأحداث؟.. الإجابة: لا، فالأزمة التى كانت واحدة أصبحت أكثر من أزمة.
قد تسألنى: طيب، من هم أسباب الأزمة؟، أنا لدى الإجابة، وهى باختصار: كل القوى السياسية والتنفيدية أطراف فاعلة فى الأزمة، ولكن فى رأيى أن هذا ليس هو السؤال الأهم، فإذا قام حريق فى منزلى، لن أسأل عن السبب، ولكن عن إطفاء الحريق أولاً، ثم البحث فى الأسباب بعد ذلك.
الإشكالية الكبرى فى الأزمة الآن، أن شباب الثورة ليس لديهم قيادة كما كانوا قبل الثورة، إذن عدم وجود قيادة فيها ميزة وفيها عيب. العيب الأكبر أن المسؤولين لا يعرفون مع من يتكلمون، أتكلم هنا عن شباب التحرير، وشباب المحافظات الذين أفتخر بهم لأنهم عزلوا السياسيين إياهم بكل أنواعهم.
إذن سنسير إلى السؤال المحورى الآن وهو: ما الحل؟.. أزعم أنه لا يوجد هناك حل سحرى لهذه الأزمة المعقدة.
ولكن ظهرت حلول مقترحة متطرفة، يقودها بعض الذين يخشون ألا يلحقوا بقطعة من تورتة، أقصد لحم مصر، وهناك آراء عقلانية، والجميل أنها تأتى من شباب الثورة لا من شيوخ السياسة الذين أرادوا التهام الثمرة قبل أن تنضج.
بصراحة، بصراحة، قلبى عليكى يا مصر.
> التاريخ يعيد نفسه، تماما ما حدث مع الوزير فاروق حسنى عندما كان يهدد بالاستقالة، ويهرول له بعض مريديه من المثقفين لإقناعه بعدم الاستقالة، يحدث الآن مع الدكتور عماد أبوغازى، وزير الثقافة، من بعض المثقفين المرتبطين بمصالح مع الوزير والوزارة، والغريب أن هناك بعض الأسماء مكررة مع الوزيرين.
> مع احترامى وتقديرى لدور قضاء مجلس الدولة فى إصدار أحكام مهمة بعد الثورة أقوى من قرارات الحكومة، مثل حل الحزب الوطنى وغيره، إلا أن الشىء اللافت للنظر أن إحدى محاكمه وافقت بعد جلسة واحدة على إدارج د. عمرو حمزاوى ورامح لكح فى الانتخابات فى حين- بكل الثورة- اسبتعدوا كثيرين ممن كانوا مزدوجى الجنسية.
ملحوظة هامة.
> ظاهرة لافتة للنظر.. جميع رؤساء تحرير الصحف المستقلة لهم برامج تليفزيونية فى الفضائيات، هم لا يكتفون بآرائهم فى صحفهم الناجحة، ولكنهم يؤكدون نجاحهم فى برامجهم الجديدة، وهو ما يثبت أن برامج التوك شو عبارة عن صحافة تليفزيونية، ونحن القراء والمشاهدين مستفيدون، من هذه الازدواجية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
هبه بحيرى
تسلم ايديك
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
هو الاخ مش فلول بردوا!!!!!!!!!!!!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
توتو
ياراجل خليك في معاشك واقعد واستريح
عدد الردود 0
بواسطة:
عادل أحمد
فاكر مقالك بعنوان " حكمة الرئيس مبارك " في 2007
عدد الردود 0
بواسطة:
ناصر
كفاية اسكت