نعم الشعب لا يريد المستحيل الشعب يريد الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والعيش بكرامة وهذه طلبات بسيطة حصلت عليها كل شعوب الأرض منذ عقود، ونحن نطالب بها منذ عقود ولم يمنحنا النظام المخلوع إلا القهر والاستبداد ونهب ثرواتنا والقضاء على مستقبل أبنائنا. من أجل ذلك قامت ثورتنا المباركة فى 25 يناير وساندها الجيش وتعهد بتحقيق مطالبها وأوفى بعهده وتم التعديلات الدستورية ووافق الشعب عليها فى عرس ديموقراطى أبهر العالم كله.
كان ومازال الهم ثقيلا وكان ومازال الحلم ضئيل وبسيط وقامت ثورتنا المباركة ومضى على قيامها عشرة اشهر وكل شىء يراوح مكانه وبصراحة مع مرور الأيام يتضاءل حلمنا كمصريين فى الحصول على حقوقنا المشروعة فى الحرية والعدالة والمساواة والكرامة وكأنها من ضرب المستحيل وكأننا نطلب لبن العصافير.
هذا الفشل الواضح للحكومة الانتقالية لا ينكره أحد فهى لم تقدم للشعب حتى بعض المسكنات، لم نر منها إلا أزمة تلو الأزمة فى أول كل أسبوع تخرج علينا أزمة وينتهى الأسبوع بأزمة جديدة.
أزمة الانفلات الأمنى مستمرة منذ اليوم الأول لانتصار الثورة على جلاديها تقاعس أمنى رهيب أدى إلى اعتداء على المدارس والمستشفيات والمحاكم وانفلات على الطرق أدى إلى زيادة معدلات الحوادث التى تودى بحياة البشر وأتحدى الحكومة أن تعلن عن عدد ضحايا حوادث الطرق بشكل يومى. انفلات أمنى تم تعزيزه بقوانين الطوارئ سيئة السمعة أعادت إلى الذاكرة ما كان يمارسه النظام المخلوع من تعذيب للمواطنين وإفراط بعض عناصر الأمن فى استعمال سلاحهم ضد المواطنين مع اللجوء إلى محاكمة المدنيين أمام محااكم عسكرية، فى نفس الوقت تباطؤ فى محاكمة رموز الفساد والقتل وتاهت حقوق الناس فى سراديب المحاكم والنيابات.
أزمة مالية طاحنة ظهرت جلية فى نقص السيولة فى البنوك التى لجأت إلى رفع أسعار الفائدة وتأخر صرف المستحقات للعاملين بالقطاع الحكومى وقرارات لترقيع ثوب الأجور المتدنية وفشل فى تحديد الحد الأقصى للوصول إلى العدالة الاجتماعية فى بند الأجور بالميزانية وترنح البورصة المالية وعدم حل لمشكلة الصناديق الخاصة التى يتم نهبها تماما مثلما حدث قبل الثورة وأزمات فى البنزين والبوتاجاز وارتفاع جنونى فى الأسعار وتعرض الفلاح لنكبة أسعار القطن وتوقف الكثير من المصانع، وفى نفس الوقت فشل فى استرجاع أى مليم من حوالى تريليون جنيه تم نهبها وتهريبها إلى الخارج حتى فشلت الحكومة فى تحصيل الغرامات التى حكمت بها المحاكم على رؤوس الفساد.
فشل إدارى فظيع بسببه لم تستطع الحكومة تنحية فلول النظام المخلوع من المواقع القيادية ودفع قيادات شبابية وشريفة لهذه المواقع فما زلنا نقوم بطلاء الأرصفة والأشجار وفرش الرمل لاستقبال المحافظ ومن على شاكلته وتعطيل المرور لمرور مواكب الكبار والمحصلة النهائية أن شىئا لم يتغير بعد ثورة الشعب المباركة، الكل يقولها بصراحة مازال الوضع على ما كان عليه والثورة لم تغير فينا أى شىء نفس القيادات نفس الوجوه نفس الأساليب ونفس السياسات والنتجة احتجاجات ومظاهرات يسمونها فئوية وكأن مصر لم تنجب إلا الفلول.
فشل على المستوى السياسى ففيما يخص الانتخابات فقط صدرت قرارات ثم تعديل للقرارات وأحكام قضائية لصالح مشاركة المصريين بالخارج وإلى الآن باق على بدء العملية الانتخابية أيام قليلة لا يعرف هؤلاء المصريون كيف سيشاركون فى العملية الانتخابية وأحكام قضائية لمنع مشاركة فلول الحزب المنحل وأخرى تلغيها ووعود بقانون العزل السياسى وتخبط أصابنا جميعا بالإحباط وانعدام الأمل فى إجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة وإذا تم إجراؤها فعلا هل ستتمكن الحكومة من إتمامها؟ وإذا تمت الانتخابات ما مدى امكانية الطعن على دستوريتها. الانتخابات هى اللبنة الأولى فى طريق الديموقراطية وهى أملنا الوحيد فى الحصول على الحرية وحكومتنا الميمونة تتخبط فى إدارتها وتتلكأ فى الإجابة على تساؤلات المواطين وبعث الأمل والطمانينة فيهم.
كل هذا الفشل وكل هذه الازمات تحاول الحكومة التغلب عليها بالتعتيم، كما فعلت الحكومات الفاسدة قبلها وتقوم بخلق بؤر ورؤوس مواضيع للتوتر والجدل السياسى فى البلاد وخلق جدليات تزيد من حالة الاستقطاب السياسى فى المجتمع وبين الأحزاب السياسية المختلفة مستغلة الفساد الإعلامى وفساد بعض النخب وتدخل بعض القوى الخارجية.
فى البداية ظهرت جدلية الدستور أولا وانعقدت مؤتمرات الحوار الوطنى ومنها ما عرف بمؤتمرات الدكتور يحيى الجمل، ثم مؤتمرات الدكتور عبدالعزيز حجازى وانتهت التوصيات الى لا شىء، وتم وضعها فى إدراج الحكومة. ثم جاءت بعدها جدلية المبادئ فوق الدستورية وضرورة أخذ قرارات استباقية لمواجهة من سيختارهم الشعب لتمثيله فى البرلمان الذى سيختار اللجنة التأسيسية لوضع دستور مصر الجديدة واجتمع المجلس العسكرى مع ممثلى الأحزاب وجرى توقيع وثيقة شرف من الجميع وهدات النفوس.
بعد ذلك وفى اخر محاولة للالتفاف على الإرادة الشعبية أتحفتنا حكومة الثورة الانتقالية بفتنة جديدة باسم جديد وهو وثيقة الدكتور السلمى وظهرت الوثيقة التى أجمع الجميع على أن أسلوبها السياسى ركيك وأن بها سموما وأفخاخا أخافت جزءا كبيرا من المجتمع، وخاصة ما يخص حرية الصحافة وإقحام المؤسسة العسكرية فى حفلات اقتسام الكعكة الثورية. هذه الوثيقة أنا أعتبرها نكبة أخرى من نكبات حكومتنا الميمونة لأنها تكرار لمحاولات الالتفاف على الإرادة الشعبية والالتفاف على استفتاء مارس الذى خرج فيه الشعب المصرى لأول مرة فى حياته للتصويت على تعديلات دستورية أسست لخارطة طريق المرحلة الانتقالية. ليس مهما ماذا تحتوى الوثيقة لأن كل شىء قابل للنقاش وحله بالحوار، ولكن المهم فى أنها تحاول أن تلتف على الإرادة الشعبية وفرض أوضاع استباقية قبل إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، وكل كبير وصغير فى مصر يعلم أن إلغاء الاستفتاء لا يمكن بدوء استفتاء آخر، وكما قالها رجال القانون لا يفل الاستفتاء إلا استفتاء فلا يوجد شىء سمعنا عنه اسمه فوق دستورى. لا يمكن تعديل الإرادة الشعبية الا بارادة شعبية مثلها.
وببركات هذه الوثيقة عدنا الى المربع صفر، حيث تم دفع بعض القوى الشعبية والثورية والحزبية إلى اللجوء مرة أخرى إلى ميدان التحرير والتهديد بالتصعيد ومزيد من المليونيات وتعطيل مصالح الناس فى وقت اقترب فيه موعد الانتخابات البرلمانية. وبدلا من ترك الشعب بالانشغال بالعملية الانتخابية والتفرغ لها والعمل على نجاحها، وخاصة أنها تعتبر أول عرس ديمقراطى فى مصر تسببت الوثيقة فى جرنا إلى جدل واستقطاب يحمل خطورة الانقسام والخلاف، أعتقد أن الكثيرين يوافقوننى على أن هذا الشعب لا يحتاج إلى وصاية أحد ولا يحتاج إلى وثائق استرشادية لصنع مستقبله الذى يحلم به. وأعتقد أن الوثيقة ما هى إلا استدعاء لجدل عميق موجود فى بلدنا منذ أيام الدكتاتورية البائدة وأن صناديق الانتخابات هى البديل المنطقى والصحيح لهذا الجدل السياسى العقيم. وأعتقد أن النواب الذين سيختارهم الشعب عندهم القدرة على التوافق حول لجنة تقوم بعمل دستور لدولتنا الحرة الحديثة القادمة.
من على هذا المنبر الحر كتبت هذه الخاطرة لاعبر عن مدى إحساسى بالألم والإحباط والخوف على مصر حبيبتى الغالية وأخيرا أقول وكلى أسف وحزن على بلدى الغالى مصر شكرا لحكومة الدكتور عصام شرف، التى لم تقدر على فعل أى شىء لهذا الشعب اللاهث وراء الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة والعيش بكرامة، وكأن الشعب يطلب لبن العصفور. كان الله فى عون مصر المحروسة ومجلسها الأعلى للقوات المسلحة.
د.عبدالجواد حجاب يكتب: الشعب لم يطلب لبن العصفور
الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011 08:25 م
صورة أرشيفية