من يتفاءل كثيراً بالأيام القادمة، ويتصور أن المصريين ينتظرون الانتخابات البرلمانية بفارغ الصبر لكى يهرعوا للتصويت فيها، إنما غائب عن الواقع المصرى وعن المصريين، وخاطئ فى مشاركة القوى والأحزاب السياسية فى اعتقادها أن هذا الشعب يضع جل أمله على الانتخابات، والخطأ فى الاعتقاد نتج عن غياب هذه القوى عن التواصل مع المصريين واحتياجاتهم ومشاكلهم وهمومهم، غارقة فى النزاعات بين بعضها البعض، رغبةً منها فى إظهار قوتها وفرض أفكارها وتوجهاتها السياسية على الشارع المصرى، بزعم أنها الأفضل والأصح وأنها الأصلح للوصول إلى الحكم، وترفع شعارات الحرية والديمقراطية، وفى نفس الوقت ترفض التحاور مع أى طرف آخر، لدرجة جعلتها تتصور أن اللعبة السياسية هى الهم الأكبر للمصريين، وتناست أن مشاكله التى يعيشها أهم وأولى من تلك الشعارات.
المصريون لم يبتعدوا عن الحياة السياسية خلال السنوات الماضية فقط لعدم ثقتهم فى النظام المخلوع، أو لعدم نزاهة العملية الانتخابية أو لسيطرة الحزب الوطنى، ولكنهم فضلاً عن ضعف الوعى والثقافة السياسية لدى غالبيتهم، فقد انشغلوا بالبحث عن الوظيفة والتعليم والصحة والأمن ومستوى أفضل من الحياة، حتى البرلمان المنحل لم يعالج هذه الجوانب، وللأسف هو نفس الأمر المتوقع تكراره فى البرلمان القادم.
الانتخابات القادمة سوف تحظى بنسبة مشاركة مرتفعة نسبياً مقارنةً بالانتخابات فى عهد النظام المخلوع، ولكنها لن تحظى بنفس درجة الإقبال التى حظى بها الاستفتاء فى مارس الماضى، وذلك بسبب حالة الإحباط الشديدة التى يعيشها المصريون الآن، وفقد الثقة فى القوى والأحزاب السياسية، والنظام ممثلاً فى المجلس العسكرى ومجلس الوزراء، وغياب الأمن وانتشار البلطجة، وانخفاض درجة الوعى السياسى لدى غالبية المصريين، ولا تقتصر فقط على مجرد معرفة كيف يصوت الناخب، ولكن تمتد إلى الإيمان بأهمية التصويت وأهمية البرلمان، وكيفية اختيار النائب الأفضل، بالإضافة لزيادة حدة الصراعات بين القوى السياسية، والاتهامات المتبادلة بين القوى والمجلس العسكرى، وضعف مجلس الوزراء وبطئه الشديد فى الاستجابة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمصريين، وكأن الثورة لم تقم من الأساس، وتمحور الهم الأكبر للمصريين حول تحسين مستوى المعيشة، وأصبح هناك انقسام بين شعب همه أن يحيا حياة أفضل، وقوى همها أن تصل إلى الحكم.
فالمشهد السياسى فى مصر أكثر خطورة مما سبق، صحيح أن الثورة نجحت فى إسقاط النظام والحزب الوطنى، ولكنها لم تنجح فى القضاء على بقاياه، وأفرزت ائتلافات ثورية مختلفة، خرجت جميعها من رحم الثورة، واتحدت على إسقاط النظام، ولكنها اختلفت على كيفية إعادة بناء الدولة، ولم تقدم أى شىء مفيد، علاوة على قوى مستقلة وأحزاب يسارية وليبرالية ودينية، تعانى من صراعات داخلية، وخلافات خارجية، ومحاولة كل طرف تخوين الطرف الآخر، وكل قوة تتصور نفسها أنها تملك العصا السحرية لحل مشاكل مصر،، وجميعها مبررات – بعيدة عن الواقع - للوصول إلى السلطة.
بل إن الأسوأ أن الانتخابات سوف تُفرز برلمانا يحتضن بدر
جة متفاوتة ومتقاربة إلى حد ما لهذه القوى والأحزاب التى فشلت فى احتضان المصريين، وسوف تفشل - أى منها - فى الحصول على الأغلبية داخل البرلمان، وبغياب هذه الأغلبية، تستمر الخلافات بينها، وتنتقل من الشارع المصرى والفضائيات إلى داخل البرلمان، ولن يبقى البرلمان مكانا لتشريع القوانين أو تمثيل المصريين أو الرقابة على الحكومة، بل يصبح ساحة للصراع بين هذه القوى ومحاولتها فرض توجهاتها السياسية، وأجنداتها التى تخدم الولاءات التحتية ومصالحها الخاصة على حساب الولاء الأسمى "القومية المصرية" ومصالح الشعب المصرى، وتزداد حالة الانقسامات، الأولى بين القوى السياسية وبعضها البعض، والثانية بين القوى السياسية من جهة والحكومة والمجلس العسكرى من جهة أخرى، والثالثة بين القوى السياسية والمصريين.
وأين المصريين من كل هذا؟... سوف تستمر حالة العزلة والفجوة بين المصريين والقوى السياسية، ويستمر إحباط المواطن المصرى، والبحث عن همومه وقضاياه الاجتماعية والاقتصادية بالدرجة الأولى قبل السياسية، ويزداد تخوفه من القوى والأحزاب، ويستمر فى البحث عن البطل أو القائد المفقود الذى يمكنه لم شمل المصريين نحو هدف واحد، وإيجاد مشروع قومى واحد لبناء الدولة، بطل يعتبر نفسه مصريا بصرف النظر عن كونه ليبراليا أو يساريا أو إسلاميا أو مرتديا عباءة الدين، وسوف يواجه هذا البطل مشاكل وصراعات كثيرة مع القوى الطامعة فى الحكم، ولكنه سوف ينجح بالتفاف المصريين حوله.
صناديق الانتخاب
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد رضوان
قراءه جيده جدا للواقع المصري
عدد الردود 0
بواسطة:
هبه طاهر
استمتعت بقراءة المقال و لكن
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو مخ ضلم
مهما كان مظنش هيكون زى زمن حسنى
عدد الردود 0
بواسطة:
جيهان الحسيني
صدقت أستاذة شهرت
عدد الردود 0
بواسطة:
تامر وهبه
مقال فعلا ممتاز
عدد الردود 0
بواسطة:
ولاء المصري
مقال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود كرم الدين محمود
معك حق
اضم صوتي لصوتك .. شكراً جداً لتحليلك المتميز
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد مرسى
حقيقة الوضع الحالى
تحياتى واحترامى لقرءة الوضع
ممتاز