إن قضية الإصلاح فى الوطن العربى وقبل التطرق إلى مضمونها، على أن أذكر أن الإصلاح هو حديث يختلط فيه الداخل بالخارج، والمقدس بغير المقدس وأصبحت كلمة الإصلاح ترد على ألسنة الكثيرين فى الداخل والخارج، فالإصلاح لغة ضد الإفساد، حيث يقال أصلح الشىء أزال عنه الفساد، وصلح الشىء زال عنه الفساد، فالإصلاح ترقية وتحسين وتطوير إلى الأفضل ويشار إلى الإصلاح بمعنى التغيير إلى الأفضل وتحسين عناصر المنظومة الاقتصادية، والسياسية، والفكرية، والثقافية، والاجتماعية، والتخلص من الفساد والاستبداد والقهر والظلم، ويجب أن يكون الإصلاح شامل يطال كافة الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.. إلخ، لأنه لو لم يتحقق الإصلاح فى كل هذه المجالات فسوف يكون حصاد الإصلاح وثماره ضعيفة للغاية فهل يتصور أن يتحقق إصلاح اقتصادى دون إصلاح اجتماعى، ودون إصلاح فى نظام التعليم ودون الإصلاح السياسى أن شمول هذه المجالات أمر مهم ليكتمل الإصلاح. أن خطاب الإصلاح ليس جديداً فقد صافحه أسلافنا فى القرن التاسع عشر وفى النصف الأول من القرن العشرين فالصدمة الحضارية التى تعرضت لها ديار العرب والمسلمين فى أحقاب الحملة الفرنسية على الدول العربية، ثم البعثات التى أرسلها محمد على إلى أوروبا فضلاً عن خيرة الاستعمار الأوروبى فى المنطقة العربية، كل هذا أنتج صدمة حضارية طرحت أسئلة كبيرة مازلنا نطرحها حتى وقتنا الحاضر لماذا تقدم غيرنا؟ ولماذا تخلفنا نحن؟ وكيف النهوض من ذلك التخلف؟ والإجابة عن هذا السؤال خاصة كثيرة ومتنوعة وقد تكون متضادة فالرؤى كثيرة حيث لدينا تيار إسلامى، وتيار ليبرالى، وتيار يسارى، فعلى صعيد التيار الإسلامى وهو مقسم أيضا إلى أكثر من فكر فيوجد فكر يرجح إلى أن سبب تخلف العالم الإسلامى يرجع فى تقديره إلى الإفراط فى تعاليم الدين الحنيف، والتخلى عن نهج السلف الصالح ومن ثم تصبح معادلة الإصلاح هى فى تنقية ذلك الدين من البدع والخرافات التى دخلت هذا الدين. ويوجد فكر آخر من التيار الإسلامى، ومن أهم رموز هذا الفكر الشيخ محمد عبده والأفغانى، فقد ذهبوا إلى أن سبب تخلف العالم العربى والإسلامى هو الجمود والانغلاق والبعد عن تعاليم الدين الصحيحة، والتى منها الانفتاح على العالم المتقدم والإفادة منه بما لا يتعارض مع مقدساتنا، وبالتالى يصبح الأمر من وجهة نظر هذا الفكر هو الجمع بين الموروث الذى يحث على النهوض، والقادم الذى لا يصادم نصوصاً فى الكتاب والسنة من ناحية أخرى. والفكر الأخير الخاص بالتيار الإسلامى يمثله الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، والذى ذهب إلى أن السبيل إلى نهوض العرب والمسلمين يكمن فى بناء الإنسان المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، أما عن فكر ورؤى التيار الليبرالى فقد ذهبوا إلى أن سبب تخلف العرب يعود إلى التمسك بالماضى والتشبث به فى عصر تخلفه وانحطاطه والتراث فى عصر الانحطاط يؤثر النقل على العقل، ويؤثر الحياة الآخرة على الدنيا، وقد رأى أنصار هذا التيار أن نقطع صلتنا بالماضى وبالتراث كله لأننا لو حاولنا أن ننقيه مما فيه لما تبقى منه شىء، فالطريق الوحيد للتقدم فى نظر التيار الليبرالى هو محاكاة النموذج الغربى وقطع صلتنا بالتراث. التيار الثالث والأخير هو التيار اليسارى، ويرجح هذا التيار فى تقديره أن سبب تخلف العالم العربى والإسلامى هو الاستعمار الأجنبى، ويرى هذا التيار أن القضاء على الفساد والقضاء على الاستعمار بكل صوره والاهتمام بالعلم والعلماء وتمكين العمال من السيطرة على أدوات ووسائل الإنتاج هى السبيل لتقدمنا، هذا عرض سريع للتيارات المختلفة، ورؤيتها لتخلف العالم العربى والإسلامى، والسبيل للخروج من هذا التخلف..
