"تبنى الحلول الوسط كان من بين أكبر الأخطاء التى وقعنا فيها، حيث أجلنا بعض الإصلاحات لهذا السبب".. نصيحة أبداها بشكل غير مباشر رئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلى لمصر، خاصة مع تأكيده على وجود أوجه للتشابه بين الثورتين المصرية والجورجية، وهذا التشابه يكمن فى الإرادة الشعبية والسلمية، لكنه أردف هذه النصيحة بتأكيده على أن هذا الخطأ تم تداركه فى جورجيا، مبديًا نصيحته الثانية بعدم الانتظار فى إجراء الإصلاحات.
"سكاشفيلى"، الذى استقبل وفدًا صحفيًا مصريًا يزور العاصمة الجورجية تبليسى، وحضرته "اليوم السابع" تحت القبة الزجاجية فى القصر الجمهورى لتأكيد تقديره لمصر، أكد أيضًا أن مصر لديها إمكانيات كبيرة، وأنه متفائل بمستقبلها خاصة بعد ثورة ثورة 25 يناير، مشيرًا إلى أن مصر تمر بمرحلة مهمة فى التحول الديمقراطى، مؤكدًا استعداد بلاده لمد مصر بالخبرة التى اكتسبتها بلاده فى أعقاب الثورة الوردية فى جورجيا عام 2003 إذا ما طلبت مصر ذلك.
وتحدث "ساكاشفيلى" عن مرحلة التحول الديمقراطى التى مرت بها جورجيا فى أعقاب الثورة الوردية فى 2003، لافتًا إلى أن كل القرارات التى تم اتخاذها فى جورجيا تمت بعد مناقشات عميقة، فى ظل وجود فساد كبير وظروف حياة صعبة كانت تعيشها جورجيا قبل الثورة، ولهذا تم البدء فى إجراء تغييرات جذرية.
وأضاف رئيس جورجيا أن "البعض يقول إن التغيير فى دولة صغيرة يبدأ ويتوقف، لكنه على العكس يستمر لفترة طويلة فى ظل وجود علاقات متشابكة بين العناصر المتورطة فى الفساد، حيث إن عملية الإصلاح خلقت عداوة مع هذه الأطراف حتى لو كانت أقلية، لأن الأقلية فى دولة صغيرة لها أهمية أيضًا، لأن هؤلاء الأشخاص قد يكونون أفرادًا من أسرتك، ومن الصعب أن تجدهم فجأة داخل السجن، الأمر الذى يترتب عليه عواقب سلمية على باقى أفراد الأسرة"، مشيرًا إلى أهمية التقدم نحو تحقيق مصلحة الوطن، الأمر الذى يتطلب تنفيذ الإصلاح بشكل سريع، لكى يشعر المواطنون بجدوى الإصلاحات، موضحًا أن هذه الإصلاحات السريعة أدت إلى رفع الميزانية بنسبة 40 فى المائة خلال عام، ثم زادت لتصل إلى 3 أضعاف فيما بعد.
وأوضح رئيس جورجيا، أنه تم إلقاء القبض على 5 آلاف من المسئولين الجورجيين المتورطين فى قضايا فساد، مؤكدًا على أهمية اختيار فريق عمل على مستوى عال، مشيرًا إلى أن بعض المواطنين يدركون حجم الإصلاحات لكن هناك آخرين يتوقعون المزيد، لافتًا إلى إحداث تغيير اجتماعى كبير شمل قطاعى الشرطة والتعليم.
وقال "ساكاشفيلى"، إن الجامعة كانت تشهد فسادًا كبيرًا وانتشارًا للرشوة، لكن هذه الإصلاحات غيرت هذا الوضع، ورفعت نسبة الملتحقين بالجامعة من الأقاليم الجورجية إلى 80 فى المائة.
وحول بعض التظاهرات التى تشهدها جورجيا، قال "سكاشفيلى" إن التظاهرات الحالية ليست موجهة ضد الفساد، ولكن من أجل رفع مستوى الرفاهية عند البعض، مؤكدًا أن هدفه الأول هو جعل جورجيا دولة خالية من الفساد، وقال إنه لا داعى للقلق أو الخوف طالما كان الشعب مدركًا لما نفعله، مشيرًا إلى أن شعبية السياسيين تتفاوت من انتخابات إلى أخرى، وأن التغيرات تتم وفقًا لرؤية البعض، ومن الممكن ألا تتفق مع آخرين.
وأوضح رئيس جورجيا، أن الإعلام يلعب دورًا كبيرًا فى المجتمع، لاسيما وأن المجتمع الشرقى يتأثر بما يقال حول السياسيين، مشيرًا إلى أن الإعلام يجب أن يتحمل مسؤوليته، وأن يتعامل بموضوعية ويظهر الحقائق للمواطنين كما هى دون مبالغة أو تزييف، ودون أن يكون جزءًا من النظام أو النخبة، مؤكدًا فى الوقت ذاته على أهمية دور الشباب فى تولى القيادة داخل البلاد.
وأكد رئيس جورجيا على أن كل الوزراء فى بلاده من الشباب عدا وزير الخارجية فقط، الذى يتجاوز عمره الخمسين عامًا. وقال إنه من السهل أن يكتسب الشباب الخبرة، وأن يقوموا بأداء جيد لخدمة الوطن.
وأشار "سكاشفيلى" إلى أن جورجيا أجرت إصلاحات اقتصادية شملت الضرائب وجذب الاستثمارات على الصعيد الداخلى، إلى جانب بذل مساعٍ على الصعيد الدولى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى، وقال إن مؤشرات النجاح تنعكس فى تناقص عدد المعارضين وزيادة عدد المتفهمين للإصلاحات التى تحدث فى جورجيا.
وأعرب رئيس جورجيا عن أمله فى زيادة التبادل التجارى مع مصر، وحدوث تغير كبير فى العلاقات بين البلدين فى ظل نجاح الإصلاحات فى جورجيا، والتحولات الديمقراطية فى مصر، وقال إننا لا نملك الإمكانيات التى تملكها مصر، ونتمنى أن يزيد التعاون بين البلدين فى المستقبل، موضحًا أن جورجيا تشعر بانتمائها إلى الشرق الأوسط من الناحية الثقافية، لافتًا إلى أن الثقافة تخلق ظروفًا أفضل للتفاهم، ولدينا ثقافة مشتركة ونتفهم ثقافة هذه المنطقة.
وردًا على سؤال حول حقيقة ما نشره الإعلام الروسى بأن جورجيا اشترت أسلحة من إسرائيل، ومدى تأثير ذلك فى العلاقات الجورجية العربية، خاصة مع مصر، قال "سكاشفيلى" إن روسيا قامت بتضليل الرأى العام فى أن سياستنا موجهة ضد المسلمين فيما يتعلق بعلاقتنا بإسرائيل التى تربطها علاقات مع روسيا، مشيرًا إلى أن بلاده لديها علاقات تاريخية مع مصر منذ عهد المماليك، فيما كانت تُحكم تبليسى من جانب العرب فى القرن الثامن عشر، كما أن الإمارات العربية المتحدة من أكبر المستثمرين فى جورجيا، موضحًا أن بلاده تربطها علاقات إستراتيجية على أعلى مستوى مع الولايات المتحدة التى تتفهم مواقفنا، خاصة حيال روسيا، لافتًا إلى حدوث 20 هجومًا إرهابيًا فى جورجيا بتخطيط من جانب روسيا، كما أن جورجيا لا تعترف بأى تغيرات سياسية على أراضيها المحتلة من جانب روسيا التى تسعى لكسب الاعتراف العالمى بضم إقليم أوسيتيا الجنوبية إليها، الأمر الذى يعكس توجهها الاستعمارى.
وقال رئيس جورجيا إن روسيا تسعى لعدم نجاح التجربة الديمقراطية فى جورجيا، كما أن 20 فى المائة من سكان جورجيا من اللاجئين، مضيفًا أنه من المثير أن نواصل تقدمنا برغم ذلك، ووسط مخاوف النظام الروسى من انتشار التحولات الديمقراطية فى جورجيا بالمنطقة.
وأضاف "لو كنت مكان بوتين، وهذا لن يحصل، كنت أتمنى أن تكون جورجيا صديقًا كبيرًا لروسيا"، مشيرًا إلى أن جورجيا هى الأكثر استقرارًا وأمنًا فى أوروبا.
رئيس جورجيا للمصريين: أنصحكم بعدم الانتظار فى إجراء الإصلاحات
الجمعة، 18 نوفمبر 2011 10:28 ص