يتملكنى إحساس بالغثيان كلما سمعت عن قصة من قصص سوء استخدام السلطة من السادة الذين أوصلتهم الثورة إلى الحكم وهم غير مؤهلين وغير متمرسين أو قادرين على إدارة شؤون البلاد.
فالتخبط فى إدارة مصر هو أوضح معالم الحكم العسكرى الذى يقودنا إلى مجهول تام لا يستطيع أحد أن يتنبأ به. فقصة القبض على الناشط علاء عبدالفتاح وباقى النشطاء الذين تم القبض عليهم على خلفية مذبحة ماسبيرو التى دهس فيها الجيش المصرى أبناء الوطن واحدة من محطات الفشل الإدارى لشؤون البلاد والتى أصبحت واضحة لجميع الشعب، وباتت رغبة العسكرى فى الحكم معلنة، وكأنها إعلان على صفحات الجرائد أو على أسطح المنازل وكبارى القاهرة.
والمفارقة التى يتعجب منها المصريون، كما تشير إليها صحيفة الفينانشال تايمز هى، أن المجلس العسكرى الذى وعد بقيادة البلاد نحو الديمقراطية يقوم بمحاكمة النشطاء أمام المحاكم العسكرية، بينما تتم محاكمة مبارك وكبار أعضاء نظامه المتهمين بالفساد وقتل المتظاهرين أمام العدالة المدنية. بل إن المجلس أصبح سريع الغضب يقبض ويحاكم ويسجن بلا رحمة الشباب الذين وضعوه فى السلطة. ويبدو أن المجلس العسكرى يستخدم نفس استشارى الرئيس المخلوع، لأن طريقة التعامل مع القضايا المصيرية برد فعل المجلس هو نفسه الذى استخدمه فى التعامل مع القضايا التى يواجهها الآن، ولكن الشىء البارز فى التشابه هو قمع أصوات المعارضة والقبض على المجنى عليهم للمقايضة فى الإفراج عنهم مقابل عدم التصعيد أو نسيان الأمر برمته. ففى عهد النظام البائد قبض النظام على الكهنة والأساقفة ووجه تهمة الخيانة العظمى للأنبا ويصا والتحريض لأبينا جبرائيل خلال مذبحة الكشح التى راح ضحيتها 21 قبطيّا، وقيل إن أمن الدولة أعطى الضوء الأخضر لبعض الشخصيات للقيام بالمذبحة، ولكن من أجل أن يترك الأقباط حقهم تم توجيه التهم لقياداتهم الدينية حتى يتراجعوا عن اتهامهم للنظام. وفى حالات هدم الكنائس بواسطة زبانية النظام بحجة المخالفات كان يتم احتجاز الكهنة أو الخدام المقربين منهم وتتم المقايضة على الحقوق مقابل الإفراج عنهم.
ولا يختلف الأمر كثيرًا فى أحداث ماسبيرو الأخيرة فقد قام العسكرى بالقبض على عدد كبير من شباب الأقباط والمسلمين الأحرار وحقق مع كهنة وقدم النشطاء للمحاكم العسكرية أملاً فى المقايضة مع كل طرف على حدة حتى تختفى الانتقادات التى وجهت للمجلس والاتهامات الموثقة بالقتل العمد ودهس المتظاهرين. فمع علاء وغيره من شباب المسلمين الحرية مقابل عدم التعرض للمشير أو المجلس العسكرى، ومع الكنيسة والأقباط الحرية للشباب الأقباط وعدم محاكمة الكهنة مقابل رفض التحقيق الدولى والوقوف ضدد أقباط المهجر وضياع حقوق الشهداء - تمامًا كما فعل النظام السابق فى قضية الكشح.
إن علاء عبدالفتاح يمثل رمزًا كبيرًا للثائر المصرى الحقيقى الذى لا يساوم ولا يرغب فى مناصب أو مراكز، ولا يقف عند دين أو عقيدة، ولم يترك التحرير ليقتسم كعكة الانتخابات والأحزاب بل تمسك بالحق مهما كلفة الأمر ويجتهد على قدر طاقته، وكنت أتمنى أن يطلق سراحة مع باقى النشطاء السياسيين فى العيد على الأقل من أجل سمعة مصر، ولكن يبدو أن البلطجية الذين خرجوا أهم من الثوار ومن مصر.