من الخطورة ألا يتعلم الإنسان شيئًا من الأحداث التى مر بها والتجارب التى دخلها ويظل متجمدًا مع أفكاره التى بلورها واعتنقها فى ظروف معينة ويريد أن يفرضها على الآخرين، رغم أنها أصبحت خارج الزمن. أقول هذا بمناسبة الخطاب السياسى للمرشحين لمجلسى الشعب والشورى من التيارات الإسلامية، أيّا كان اسمها وسواء أكانت منفردة أو مؤتلفة، ذلك أن خطابهم يؤكد أنهم لم ينسوا شيئًا مما مروا به ولم يتعلموا شيئًا من التاريخ الذى عاصروه. فلديهم ثأر مع الحكم فى مصر منذ العصر الملكى فى أعقاب اغتيال حسن البنا «فبراير 1949»، ثم مع العصر الجمهورى فى أكتوبر 1954 ثم فى أغسطس 1965، ثم فى أكتوبر 1981 مع اغتيال السادات.
ولا يزالون عند حدود أفكار حسن البنا كما أرسلها فى لائحة الجماعة «6 مايو 1948» ونصت فيما نصت على: مساعدة الأقليات الإسلامية فى كل مكان، والسير إلى الجامعة الإسلامية «فقرة «هـ» من المادة الثانية»، وقيام الدولة الصالحة التى تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليّا وتحرسها فى الداخل وتبلغها فى الخارج «فقرة (و)»، وعلى ما أورده فى رسالته «الإخوان المسلمون تحت راية القرآن» من حيث تحقيق سبعة أهداف هى: الفرد المسلم، والبيت المسلم، والأمة المسلمة، والحكومة المسلمة، ووحدة الوطن الإسلامى، وعودة الوطن السليب الذى هو: الأندلس/ صقلية/ البلقان/ جنوب إيطاليا/ بحر الروم، وتبليغ الدعوة إلى آفاق الأرض كلها.
ورغم مضى أكثر من نصف قرن على هذه الرسالة فلم تفكر الجماعة فى تطويرها أو استعدالها بما يتناسب مع العصر الذى لم تعد الحكومة الإسلامية تلائمه. وعندما اشتد الهجوم على خطابهم حاول النبهاء منهم تخفيف الألفاظ بكلمات أخرى مطاطة مثل: إقامة حكومة مدنية بمرجعية دينية، أو إقامة حكومة مدنية تكون المبادئ الإسلامية مرجعية لها وليس الأحكام الشرعية. أو قول بعضهم إنهم لا يسعون إلى السلطة ولكنهم يسعون لحماية الدستور، فلا نفهم كيف تتم حماية الدستور من خارج السلطة.
وهناك من يقول «إنه لابد من وجود مرجعية ثقافية للدستور وإن الإسلام هو المرجعية، لأن الدين الإسلامى هو أساس الثقافة المصرية». وهذا هو الخطأ بعينه، لأن الثقافة هى تراكم لمجمل السلوك والتصرفات والأفكار التى تحلى بها الإنسان عبر الزمن، وهى دائمًا متغيرة مع تغير الظروف، وليست ثابتة وجامدة. والصحيح أن نقول إن التدين فى مصر هو المرجعية الثقافية، وهنا لا يقتصر الأمر على الدين الإسلامى وإنما يتجاوزه إلى مجمل الثقافة الدينية منذ آمن المصرى القديم بالقوة الغيبية والتى تأكدت ملامحها وخواصها مع كل الأديان السماوية التى مرت على أبناء مصر وآمنوا بها، وصنعت المشترك الثقافى التدينى بينهم.
أما المتشددون منهم فإنهم يعلنون أنهم سوف يطبقون الحدود حال فوزهم بالحكم، وينسون أن شرط تطبيق الحدود وجود الإمام العادل «أى الحاكم العادل» وهذا معناه أن فى وجود العدل لن ترتكب الأخطاء، فلا تطبق الحدود. لكن الجماعات يريدون تطبيق الحدود دون وجود الحاكم العادل.
وبهذه الأفكار التى تتخلق بها الجماعات الإسلامية فى مصر رغم مرور الزمن يصبحون مثل أسرة البوربون المالكة التى عادت لعرش فرنسا فى 1815 بعد نابليون بونابرت فقاموا بتصفية حساباتهم مع منجزات الثورة وعصفوا بالدستور وعاد الملك متدثرًا برداء الدين، فقامت الثورة ضدهم مرة أخرى فى نوفمبر 1830 لاستعادة الجمهورية المدنية العلمانية.
وهنا قال شارل تاليران السياسى الفرنسى الشهير عن هذه الأسرة: أولئك الذين لم ينسوا شيئًا ولم يتعلموا شيئًا فكانت الثورة عليهم.