وسط انعدام المبادرة الثورية لدى حكومة الفلول بقيادة عصام شرف، ولدى المجلس العسكرى (حارس نظام مبارك وقواعده ورموزه)، لم يعد أمام الشعب المصرى ورموزه المحترمين إلا القضاء لدعم مطالب الثورة وتحصينها أمام القوى المضادة للثورة.
فالقضاء الإدارى هو الحصن الحصين والملاذ الأخير لنيل حقوق الشعب والحفاظ على مكتسباته وأداة لترجمة وتجسيد طموحات هذا الشعب قبل ثورة 25 يناير وبعدها، ومازال القضاء الإدارى يمارس هذا الدور «الثورى» - إن جاز هذا اللفظ وسط المؤامرة التى تحاك ضد هذا الشعب العظيم الذى قام بثورة عظيمة بقيادته مباشرة، وكان يظن أن المجلس العسكرى سيكون حارسًا حقيقيّا على ثورته فسلم له العنان - حقنا للدماء، إلا أن الشعب المصرى اكتشف وهو حزين، وبعد تسعة أشهر من تنحى المخلوع حسنى مبارك، أن المجلس العسكرى لم يكن حارسًا أمينًا على متطلبات الثورة، بل كان «حارسًا وهميّا» بكل أسف، وزعم قادة هذا المجلس أنهم حموا الثورة!! والسؤال: من ماذا بالضبط؟! وزعموا أنهم أنقذوا الوطن! ونقول من أى شىء، و«الفلول» تتحرك بحرية والفساد يتحرك كما هو، والشاغلون لمناصب يحصلون منها على الملايين شهريّا كما هم، والشاغلون لمناصب لحماية التوريث كما هم، واللصوص من رجال الأعمال المزعومين الذين حصلوا على الأراضى وباعوها ونهبوا أموال مصر وهربوها مازالوا مطلقى السراح ويلعبون دورًا بارزًا فى إجهاض الثورة بترتيبات مؤكدة مع حكومة المجلس العسكرى!!
وحاولوا الزعم بأنهم مستعجلون على ترك السلطة خلال ستة أشهر، وأوهموا الشعب المصرى بالدخول فى انتخابات بنفس قواعد نظام مبارك، ومن لا يعجبه «يضرب دماغه فى أجمد حيطة»، وهذا هو منطق مبارك المخلوع!! فماذا تغير؟! على أى أساس تجرى الانتخابات، التى أراها أنا «وهمية»!! فهل يعقل أن تجرى انتخابات مجلسى الشعب والشورى على مدى «5» أشهر وأكثر؟! هل يمكن لانتخابات أن يعلن عنها بداية أكتوبر 2011، لتنتهى فى الأسبوع الأول من شهر مارس 2012؟! فى الوقت الذى تعانى البلاد فيه من «فراغ أمنى» متعمد بترتيبات بين وزارة الداخلية - معدومة الأخلاق ومنبع الفساد وانتهاك حقوق الإنسان - وبين المجلس العسكرى، فلو كانت هناك حالة أمنية مستقرة لكان صعبًا - إن لم يكن مستحيلاً - أن تجرى انتخابات على مدى خمسة أشهر مستمرة، فما بالكم أيها السادة، فى وسط الفراغ الأمنى، تجرى هذه الانتخابات فى نحو «160» يومًا مستمرة وبإشراف قضائى كامل؟! هل يدير هؤلاء مذبحة فى مصر، حتى يستقر لهؤلاء الحكم للأبد، وتجهض تمامًا الثورة، ونعود لنظام مبارك المستبد والفاسد لحد «الفجور»؟! فلماذا انتخابات لمجلس الشورى المرفوض شعبيّا ومن كل القوى السياسية؟! ولماذا انتخابات الشعب بنظام انتخابى يعد الأسوأ فى العالم باعتراف كل المختصين، وأنا واحد منهم؟! ولماذا انتخابات مجلس الشعب بشروط مبارك المخلوع، أن يكون المرشح حاصلاً على شهادة محو الأمية ويقرأ ويكتب لمن لم يحصل عليها؟! ولماذا تجرى انتخابات بشرط الخمسين فى المائة «عمال وفلاحين» وسط رفض شعبى لها، وخاصة أن القطاع العام تم بيعه بأبخس الأثمان وأكثر من نصف البرلمان فى عهد مبارك «عمال وفلاحون»؟! كما صدر قانون بإلغاء إيجارات الأراضى الزراعية «العلاقة بين المالك والمستأجر» وقد ألغى بالتبعية قوانين الإصلاح الزراعى التى صنعتها ثورة يوليو المجيدة؟! كما تم تشريد العمال فى ظل الخصخصة، وتشريد الفلاحين وطردهم من الأراضى فى وجود نسبة العمال والفلاحين فى عهد مبارك، فلماذا إذن إجراء أية انتخابات فى ظل هذه النسبة؟! أليس هذا من مقتضيات الحفاظ على نظام مبارك، رغم وجود ثورة حقيقية فى 25 يناير 2011م؟!
ولماذا لم يتم البدء بإعداد دستور جديد للبلاد، وسقوط دستور 1971، الذى رفضه الشعب، وانتخاب هيئة تأسيسية لهذا الغرض بالطرق المعروفة ومنها ما حدث فى تونس بعد تطهير الأرض تمامًا بالعزل السياسى لرموز الحكم القديمة، وحل الحزب الحاكم، وتطهير المناصب التنفيذية من هؤلاء؟! ولماذا تم البدء بتعديلات على دستور باطل بإرادة الشعب، لإحداث الفتنة فى البلاد؟ وعلى خلفية قناعة المجلس العسكرى فإن ما حدث فى 25 يناير لم يكن ثورة، وإنما مجرد «فورة» أو انتفاضة شعبية؟!
ولماذا لم يتم إصدار قرار بالعزل السياسى لرموز وقيادات النظام السياسى؟! ولماذا لم يتم تطهير المناصب التنفيذية حتى الآن؟! ولماذا لم يفعل قانون الغدر السياسى وسط تأجيلات مشبوهة؟! ولماذا لم يصدر قرار بتشكيل محكمة الثورة من قضاة فقط، لمحاكمة الفساد والفاسدين وقتلة المتظاهرين، والاكتفاء بمحاكمات وهمية ربما تفضى فى النهاية إلى التبرئة أو أحكام بسيطة مع وقف التنفيذ بحجة السن الكبيرة والصحة المعلولة.. إلخ هذه الأكاذيب والأباطيل؟! ولماذا يجلس مبارك فى المركز الطبى ويتصرف ومعه حرمه سوزان كأنهما حران طليقان ويستقبل زواره ويجرى مكالماته التليفونية مع مرؤوسيه السابقين فى سجن طرة، مما يكلف الدولة الملايين؟! فى الوقت الذى لا يجد فيه أغلب الشعب المصرى دواءً بسيطًا للعلاج!!
- ما سبق هى تساؤلات الناس فى الشارع تواجهنى وتواجه غيرى وسط سؤال كبير: «إحنا رايحين على فين؟! مصر رايحة على فين؟! ووسط هذا الجو الخانق يصدر حكم قضائى محترم، يجرم «فلول» الحزب الوطنى المنحل بإرادة المحكمة الإدارية العليا، ويؤكد ما أوردته فى مقالى الأول فى هذه الجريدة بتاريخ 5 يوليو 2011م، وأكثر مما قلته.
وباعتبارى - عفوًا للتذكرة - أول من حدد أول قائمة للفلول باعتبارهم القوى المضادة للثورة، أذكر بما سبق أن حددته:
1 - قيادات الحزب الوطنى المنحل بدءًا من رئيس الحزب حسنى مبارك المخلوع وحتى أصغر قيادة فى الحزب على مستوى لجنة القسم أو الدائرة، وجميع هؤلاء لا يصل عددهم سوى إلى «10 - 15» ألف شخص!!
2 - جميع أعضاء مجلس الشعب والشورى المنتخبين للحزب الوطنى ومن بينهم المعينون الذين قبلوا قرار مبارك، فى الفترة من 1984 «أول برلمان فى عهد حسنى مبارك»، وحتى آخر برلمان مزور عام 2010، وعددهم لا يتجاوز «5» آلاف فقط!!
3 - جميع أعضاء المجالس المحلية من الحزب الوطنى خصوصًا مجلس 2002، 2008م، وهى مجالس مزورة تزويرًا كاملاً لصالح الحزب الوطنى والمعارضة التى قبلت التمثيل الشرف بتواطؤ مع الحزب الوطنى، وعددهم نحو «90» ألفًا تقريبًا أو أكثر بقليل؟!
ويصل الإجمالى إلى نحو «120» ألفًا تقريبًا، ولم نتعرض إلى الإبعاد السياسى لأعضاء الحزب الوطنى العاديين، لأن التركيز فى التطهير عادة على القيادات التى لها من الخصائص والنفوذ ما يجعلها فى موقع التأثير على الآخرين وقيادتهم لأهداف هم يحددونها مسبقًا، وبالتالى «عضو الحزب» هو شخص عادى وغير مؤثر فى الآخرين قدر تأثير الذى يشغل منصبًا قياديّا رسميّا.
- إلا أن حكم محكمة القضاد الإدارى بالمنصورة الذى صدر برئاسة المستشار حاتم داود «نائب رئيس مجلس الدولة»، إزاء الدعوى المقامة من المواطن المحترم/ محمود عبدالخالق السعيد، تجاوز ما كنا نطمح إليه، حيث لم يقتصر على حرمان القيادات وكوادر الحزب الوطنى من ممارسة حقوقهم السياسية، بل امتد ليشمل أعضاء الحزب الوطنى أيضًا، وللأبد، وفى المقدمة حرمانهم من حق الترشح وإلزام اللجنة العليا للانتخابات بشطبهم من كشوف الترشح وبالتالى شطبهم من كشوف الناخبين، حيث نص الحكم فى حيثياته على: «أنه وفى حقيقة الأمر أن من أفسد الحكم والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد هم الأشخاص الطبيعيون القائمون على شؤون هذا الحزب من قيادات وكوادر «وأعضاء» الحزب الذين أحدثوا هذا الفساد بأفكارهم وأفعالهم والسياسات المريبة التى ابتدعوها، فعاثوا فى مصر فسادًا، وجعلوا منها فريسة لأطماعهم، فسلبوا مواردها ونهبوا ثرواتها، وباعوا أراضيها ومصانعها وتراثها لكل مغامر».
- وأوردت الحيثيات أيضًا: «أن من أسقطه الشعب فى ثورته المجيدة لم يكن الحزب الوطنى الديمقراطى فقط، بل قيادات وكوادر و«أعضاء هذا الحزب» أيضًا.
كما أوردت الحيثيات: «أن إسقاط النظام يستتبع بحكم اللزوم والجزم سقوط أدواته التى كان يمارس من خلالها سلطاته، بحيث لا ينفك عنها، وأهم هذه الأدوات ذلك الحزب الحاكم الذى ثبت بيقين إفساده للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية».
- إن هذا الحم هو حكم تاريخى ينتصر للثورة وللشعب المصرى الذى قام بها وضحى من أجلها من أجل الحرية والتغيير والتطهير والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهو أخطر حكم جاء بعد حكم الإدارية العليا بحل الحزب الوطنى الفاسد فى أبريل الماضى «2011» والقاضى الذى يصدر مثل هذا الحكم هو قاضٍ وطنى ينتصر لقيم الحق والعدالة والثورة، كما أن الحكم واجب التنفيذ طبقًا لقانون مجلس الدولة، وكل التحايلات عليه بقصر الحكم على دائرة أو محافظة الدقهلية دون سواها هى محاولات يائسة وفاشلة لأن الحكم عام وفقًا لحكم المحكمة الإدارية العليا، ويستوجب الأمر إصدار قرار أو قانون كاشف لهذا الحكم من المجلس العسكرى، إن كان يريد أن ينفض يديه من دعم هؤلاء ودعم نظام مبارك وتثبيت قواعده، وذلك بالإبعاد السياسى أو العزل السياسى لجميع أعضاء الحزب الوطنى وقياداته فى المقدمة من ممارسة الحقوق السياسية للأبد - طبقًا لنص حكم المحكمة، وذلك درءًا للبلبلة والشكوك من جانب، ومن جانب آخر لغسل الأيادى من دعم نظام مبارك مرة أخرى.
وإذا لم يصدر قرار عاجل أو قانون بالعزل السياسى واضح، إلى جانب قانون الغدر السياسى معًا، فإن كارثة جديدة ستحل على المجتمع، نحذر منها كما سبق أن حذرنا ووقع ما رأيناه فى تطورات المشهد السياسى.
- أما عن الانتخابات فقد أصبحت باطلة بطلانًا مطلقًا وأكيدًا، لأن كل القوائم وأغلب المرشحين على المقاعد الفردية من الفلول، ومن ثم فلابد من عزل هؤلاء، وإعادة الجدول الزمنى من جديد بفتح باب الترشح، ومادام الأمر هكذا فإن الرجوع إلى الحق فضيلة بالتفكير وبسرعة فى انتخابات الهيئة التأسيسية للدستور الجديد، مع حكومة إنقاذ وطنى لها صلاحيات كاملة مع خروج المجلس العسكرى من دائرة القرار السياسى ووقوفه على الحياد، تلك هى المطالب الحقيقية للثورة، فالثورة فى خطر، فهل هناك من ينقذها؟ ومازال الحوار متصلاً.
د. جمال زهران يكتب: سقوط «الفلول» على يد القضاء بالضربة القاضية .. وبطلان الانتخابات البرلمانية ..إذا لم يصدر قانون للعزل السياسى فإن كارثة جديدة ستحل على المجتمع نحذر من تأ ثيرها على المشهد السياسى
الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011 10:14 ص