جاءت ثورة يناير بوزارة للآثار لم تستمر بضعة شهور حتى انتهى تاريخ صلاحيتها سريعا وذهبت كما جاءت.. فجأة وبدون مقدمات.
وبعيدًا عن تقييم تلك التجربة التى سعد بها الأثريون كثيراً فى البداية ثم سرعان ما تبين لهم أن بقاءهم تابعين لوزارة الثقافة كان أفضل.. وربما تجدد حلمهم القديم بهيئة قومية عامة تابعة لرئاسة الجمهورية أو حتى مستقلة مثلما الحال فى دول أوروبية كثيرة.
إن ما دفعنى للكتابة اليوم هو كثرة الاعتصامات فى الشهور الأخيرة بصورة متلاحقة، وكلها تدور حول مطلب وحيد يتلخص فى تثبيت نحو 17 ألف موظف بالهيئة وتعيين الخرجين الجدد، وهو حق مشروع.
ومنذ فبراير الماضى حتى كتابة هذه السطور، يتكرر نفس المطلب بصورة أو بأخرى، ويقابل بوعود رسمية ممن تولوا منصب الأمين العام خلفا للوزير السابق لشئون الآثار، بأن التثبيت والتعيين مسألة وقت، وستتم بالتدريج، وأن الاعتماد ووفق عليه من وزارة المالية وأقره مجلس الوزراء..الخ، ثم لا شىء فى النهاية كالمعتاد رغماً عنهم.
والحل بطبيعة الحال لن يكون فى الضغط على الأمين العام ليستقيل مثلما فعل من سبقه، أو بالاعتصام والتظاهر حتى يجبر على الاستقالة مثلما تعرض غيره لهذا الأمر، لأن من سيأتى لهذا المنصب سيكرر نفس الوعود بدافع من حسن نية ورغبة فى الإصلاح، ولكن الحل لا يكون بالنوايا فقط، وإنما لابد وأن يكون هناك منهج علمى قائم على أمرين لحل المشكلة: الأول هو تحديد معيار قبول للخرجيين الجدد فليس كل خريج كلية آثار سيتم تعيينه وإلا صار الأمر أقرب للعبث.
والثانى تدبير مورد مالى لتثبيت الأثريين دون الانتظار لإعانة من وزارة مالية دولة تعانى ضغوطا اقتصادية هائلة وأوضاعا سياسية باتت أقرب إلى بركان يوشك على الفوران إن لم تكن حممه قد بدأت تتقاذف منه بالفعل!
الحل الأقرب للتطبيق الآن يكمن فى صندوق آثار النوبة الذى يفرض رسوما بقرار جمهورى على السائحين الوافدين لمصر وزائريها منذ أواخر الستينيات من القرن الماضى لإنقاذ آثار معبد أبى سمبل، واسترشاداً بمقولة الدكتور محمد الكحلاوى "ترميم البشر قبل الأثر"، فلابد من سرعة العمل على استصدار قرار جمهورى من المجلس العسكرى بزيادة هذه الرسوم إلى دولارين يخصص ثلثاها لتثبيت العاملين فى الآثار، وتحسين أوضاعهم وتعيين الخرجيين الجدد بمعيار واضح وعادل، والباقى لدعم المشروعات الخاصة بالترميم والصندوق ذاته، والذى لن يتأثر بهذه النسبة المستقطعة، باعتبار أن نصيبه سيظل كما هو دون نقصان إن لم يزد.
لن يضير السائح أو السياحة دولاران، ولن يتوان زائرو مصر عن مساعدتها بهذا المبلغ المتواضع، وإذا ما شعر الأثريون والعاملون فى السياحة بأن الدولة تأخذ خطوات جادة لتحسين أوضاعهم، وزيادة رواتبهم وتثبيتهم وتشجيع السياحة، مع استقرار الأمن سيتعاونون معها لأقصى درجة، وسيظهرون معدنهم الحقيقى، وتتوارى خلافاتهم تماما بغير رجعة.
السياحة يمكن أن تعود بقوة إذا ما استقرت الأوضاع الأمنية، وبصورة أكبر وأفضل ووقتها سيكون العائد من رسوم الصندوق أعظم.. والنفع أعم للأثريين وغيرهم.. دعونا نجرب طرح الفكرة ومناقشتها.. فالأحلام الكبيرة تبدأ دائما بفكرة صغيرة.. وإذا ما خلصت النوايا صلحت الأعمال.. والله من وراء القصد.